ثمة ما يدعو للعجب والاستغراب في كل ما يتصل بحياتنا وواقعنا وولائنا الوطني، أين نتفق وأين نختلف، وأين يقف اختلافنا وكيف نعالج قضايانا وصراعات السياسة والمصالح بدون جهالة أو طيش أو جنون أو ارتهان ساذج. لا أدعي حق الوعظ، ففي أحزاب المعارضة من الوعاظ والمرشدين وعلماء الدين والسياسة والفكر ما يجعلهم من الكثرة والحظوة بمكان لا ينافس، وفيهم عمالقة لا يستهان بهم في التنظير القومي والدعوة الأممية والعمل الإسلامي والتأصيل المذهبي والطائفي. ومع هذا كله تشعر بأن الممارسات والعمل السياسي في الساحة اليمنية من قبل المعارضة السياسية أشبه بمن أصابه مرض الرعاش والاكتئاب معاً؛ لأن ما يصدر عنها خاصة فيما يخص أحداث صعدة والتمرد الحوثي والتدخل الإيراني والعبث الخارجي بما تبقى في الداخل من ماء الوجه أمر لا يتفق وما تحمله تلك الأحزاب من شعارات إسلامية وقومية واشتراكية لا تتفق والمواقف التي تصدر عنها. ما قرأنا من تصريحات للمشترك خلال الأيام الماضية مثّل انتكاسة غير متوقعة في الوعي الاجتماعي لدى شريحة كان من واجبها ألا تنساق إلى هذا الدور المشبوه في تاريخ الديمقراطية اليمنية الوليدة، خاصة والوطن يعول عليها أن تكون صمام الأمان السياسي والحزبي والوطني، لكنها تخلت عن هذا الدور، ومن ثم بدأت تبحث عن وسائل لا تتفق وأنظمتها الداخلية ومرجعياتها الفكرية والعقدية والوطنية. المزيد من التدخل الإيراني في الشئون اليمنية لا يحقق المعادلة المطلوبة في الساحة اليمنية، بل يزيد في إضعاف الكينونة اليمنية ويحول دون تحقيق أدنى نجاح للمعارضة في الساحة السياسية إن لم يذهب بها إلى مربع العمالة والارتزاق وتفقد كل ما لديها من قدرات جماهيرية وتفاعل شعبي واحترام لما تطرح أو تبحث عنه. تمنيت لو أن قناة الجزيرة كانت قد أجلت استضافتها للأخ حميد الأحمر بعد التحرش والتسلل الحوثي إلى الأراضي السعودية وطرحت عليه السؤال التالي: ما رأيك باختراق الحوثيين المتمردين المدعومين من قبل إيران للأراضي السعودية لزعزعة أمنها واستقرارها واستنزافها وإقلاق مواطنيها وهتك سيادتها، هل يُعد ذلك عملاً مشروعاً في نظرك للدفاع عن النفس أم إرهاباً وعملاً همجياً يحق للسعودية أن تواجهه بالقوة؟ أياً كانت الدوافع والأيادي التي تقف وراء التمرد الحوثي لا تبرر للمعارضة التشفي بالأوضاع وتدهور الأمور وطول أمد الصراع لمجرد حقدها أو بغضها للسلطة والحزب الحاكم، فذلك أمر غير مقبول من أناس كنا نعتقد أنهم في مقدمة الجبهة المدافعة عن الوطن في الظروف العصيبة. ولم نفكر لحظة بأنهم سيرتمون في مربع الارتهان للخارج مهما بلغت التصرفات غير المقبولة من قبل هذا أو ذاك في السلطة؛ لأن مطالبة إيران أو غيرها بالمزيد من التدخل والدعم للتمرد والإرهاب في بلادنا أمر مخزٍ يعطي الحق للشارع اليمني بإعلان طلاقه لكل القوى التي سجلت ذلك الموقف اللاأخلاقي واللاوطني. إن هذا الأمر لا جدال فيه والوطن لم يعد بحاجة للمزيد من الشحناء والبغضاء والمكايدات والتسابق المحموم باتجاه السفارات الأجنبية أو الإقليمية للتشكي وكشف العورة وسرد معايب ونقائص الطرف الآخر. المجتمع بحاجة ماسة لمن يشعره بأنه موضع اهتمامه وسعادته وأمنه واستقراره غايته ومقصده، ويبرهن على ذلك بالعمل لا بالشعارات وبالتفاني لا بالأمنيات والخطب الهوجاء والتصريحات اللامسئولة. [email protected]