مجدداً عادت الولاياتالمتحدة تستعرض تقاريرها الاستخبارية حول «القاعدة» وتتنبأ بأنهم عازمون على الفرار من قبضتها «الحديدية» في افغانستان وباكستان والتوجه إلى اليمن والصومال.. وهي «الإكليشة» التي مللنا من سماعها، لأن العالم كله لم يعد غافلاً عن حقيقة تحوّل «القاعدة» إلى عصا تأديب أمريكية يلوّح بها البيت الأبيض كلما اقتضت مصالحه تخويف إحدى دول العالم. ولكن هذه المرة أثارت التقارير الأمريكية حول القاعدة سخرية كبيرة في الأوساط اليمنية حيث أن كل من سمع بها قال: إن امريكا تسعى لإنقاذ الحوثي من خلال التلويح بعصا القاعدة التي تعتزم عناصرها التوجه إلى اليمن.. ولو كانت الأجهزة «الاستخبارية» الأمريكية بريئة وتتمتع بكل هذا الحس الأمني لما ظلت تروّج لكل تلك القصص لأننا منذ أكثر من عام ونحن نكتب عن تبادل الأدوار بين القاعدة والحوثي والحراك، وكيف أن كلاً منهم ينشط عندما تشتد القبضة على صاحبه، وبما يؤكد أن الثلاثة تحركهم جهة واحدة لديها خارطة معينة لمستقبل المنطقة. لم يكن الأمر بحاجة إلى طول تفكير لمعرفة اليد الأمريكية في صناعة بعض الأحداث التي شهدتها اليمن، والخدمات الجليلة التي قدمتها هيئاتها ومنظماتها المدنية للترويج للحراك والدفاع عن قادته، وفي التعبئة من مقيل إلى آخر في المحافظات الجنوبية.. وكذلك في تهويل نفوذ القاعدة في اليمن لتبدو أمام الرأي العام الدولي ان لها في كل حارة فصيلاً، في الوقت الذي تعلم امريكا أن اجهزة الأمن اليمنية قصمت ظهر خلايا القاعدة، وفككت تنظيمها، ولم تعد سوى أفراد قابعين خلف شاشات الانترنت يترقبون «التوجيهات» لإصدار بيان بهذا الاتجاه أو ذاك. الولاياتالمتحدة، ورغم تغير إدارتها، إلا أنها لم تتخل عن سياستها الأمنية المعروفة منذ عهد السيد «بوش الأب» لأن ثمة لوبيات لم تتغير هي من يصنع القرار الأمني الأمريكي وليس الرئيس.. وهو ماجعل تنظيم القاعدة وغيره من الحركات الإرهابية لا تستهدف إلا أوطانها، ولا تقتل إلا مواطنيها، ولا تهدد إلا حكوماتها، فيما لايطال الولاياتالمتحدة منها سوى التسمية والشعارات التي ترددها بدعوى معاداتها لأمريكا.. فلا القاعدة التي تدعي أنها تخوض حرباً ضد امريكا استهدفت مواطناً امريكياَ، ولا الحوثيون -الذين أصموا آذاننا بهتافات «الموت لأمريكا» - خدشوا مواطناً امريكياً.. ولا حتى إيران التي تصف امريكا ب«الشيطان الأكبر» تجرأت على المساس بشعرة مواطن امريكي رغم إن الجيش الامريكي جاء بنفسه إلى حدودها في العراق وغرق العراق بالمليشيات الإرهابية التي تعرض خدماتها على الجميع لقتل من يرغب مقابل مائتي دولار لا أكثر عن الشخص الواحد. إن الولاياتالمتحدة تلعب لعبة في غاية الخطورة على مستقبلها وأمنها القومي إذا ما فاض الكيل لدى حكومات وشعوب العالم الإسلامي ووجدوا من يقلب الطاولة على نفس قواعد اللعبة الامريكية فتتحول التنظيمات الإرهابية إلى «جيوش ظل» لحكومات إسلامية تؤمن لها كل أسباب الوصول إلى المصالح الأمريكية في مختلف أرجاء العالم وأولها مراكز النشاط الاقتصادي التي مازالت حتى اليوم لم تشم رائحة القاعدة طالما وأوضاع امريكا فيها مستتبة. إن الذي أنشأ القاعدة «الحقيقية» وليست الامريكية هو الظلم الاستعماري الذي عاشه العالم الإسلامي، وبالتالي فإن إعادة سيناريو الظلم والاستبداد حتماً سيعيد نفس المخرجات التي قادت إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر.