تسبب الإمعان في ربط العنف بالمسلمين في الألفية الثالثة بتحريف الدلالات اللغوية لبعض المفردات، حتى صار «التطرف» رديفاً ل «ثقافة إسلامية»، بل إن وعينا انحرف أيضاً، وضاق أفق تحليلنا للأمور. خلال الأعوام الماضية التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر مارس الغرب على عالمنا الإسلامي شتى فنون غسيل الأدمغة.. ونحن إما بجهالة، أو خوف تجاوبنا مع جولات غسيل الأدمغة، تطوعت الكثير من منابر الرأي والفكر والثقافة لتشويه مؤسساتنا الدينية وتلميع غيرها تحت شعار (حوار الحضارات)! ولم يعد يهمنا كم تقتل الولاياتالمتحدة في هذا البلد الإسلامي أو ذاك، لكننا تثور ثائرتنا إذا ما تعرض مواطن أجنبي لاعتداء داخل بلداننا! جميع بلداننا الإسلامية لم يعد من هاجس يخيفها غير هاجس «خلايا القاعدة»، رغم أن الولاياتالمتحدة قذفت بآلاف الأطنان من المتفجرات على معسكرات أسامة بن لادن، واعتقلت الآلاف، وأصدرت قوائم بأسماء من تبقى، وقصفت حتى مصنع الشفاء للأدوية في السودان بدعوى عائديته لابن لادن.. كما احتجزت أموالاً، وصادرت أخرى، وتعقبت كل التعاملات المالية في العالم لقطع التمويل عن «القاعدة» ؛ فكيف تصل بنا السذاجة إلى الحد الذي نعتقد فيه أن الأنشطة الإرهابية التي في العراق و الجزائر واليمن والصومال وغيرها هي من فعل تنظيم أسامة بن لادن، بعد كل الذي طاله وطال أنصاره!؟ اليوم الولاياتالمتحدة تمعن في تشويه عالمنا الإسلامي، وإلصاق الشر بشعوبه من خلال تنظيماتها الإرهابية الخاصة بها، والتي تطلق عليها نفس المسمى (القاعدة)، والتي سبق أن أسميتها ب (جيش الظل الأمريكي)! وهي بذلك تستغل ثمار عمليات غسيل الأدمغة، والتعبئة التي شحنت بها نفوسنا ضد مؤسساتنا الدينية.. فصارت تجني من ذلك تعاظم العداء العالمي للشعوب الإسلامية، وبالتالي تبديد كل جرائمها بحقهم، وكذلك ابتزاز الحكومات، وترهيبها بعصا «القاعدة». لابد للعالم الإسلامي أن يعي أن «قاعدة» اليوم هي غير «قاعدة» بن لادن، فهي تنظيم أمريكي يتخذ من واشنطن مقراً لقيادته العليا، إلاّ أنه يعمل بنفس أسلوب وتكتيك قاعدة بن لادن، واكتسب خبراته من المعتقلين في غوانتنامو وغيره من خلال إفاداتهم في التحقيقات. ولعل المتابع لتطورات أنشطة القاعدة في الآونة الأخيرة سرعان ما يكتشف سرّ ظهور الظواهري في مناسبات محددة، وبرسالة لاتخدم أحداً غير أمريكا، فالظواهري يوجه رسالة للقاعدة لتكثيف نشاطها في مياه البحر العربي والبحر الأحمر، وبعدها بشهرين تزداد أعمال القرصنة على السفن الأجنبية.. وبعد فترة قصيرة ستسمعون أن الإدارة الأمريكية قررت تكثيف تواجدها العسكري في هذه المنطقة لحماية الملاحة الدولية، وهذا هو الهدف الأول والأخير.. وبطبيعة الحال ستكون ساحة الرأي العام قد بلعت الطعم، وستبرر للعالم «مشروعية» التواجد العسكري الأمريكي ، هذا إن لم تبادر إسرائيل إلى إحياء مشروعها في تدويل البحر الأحمر..! إن هذه المسألة تحتاج إلى كثير من الشرح كي يقتنع بها صناع الرأي.. وهم مطالبون بإعادة قراءة حساباتهم كلها، وتعقب الأحداث خطوة بخطوة، وحينها سيقفون على حقيقة «القاعدة» الأمريكية التي تنفذ عملياتها باسم المسلمين.. وتحمل آثامها على ظهور المسلمين.. وتمزق بها بلاد المسلمين.. وما أسهل أن تقوم بكل ذلك طالما نحن قد تعلمنا منذ صغرنا أن لاننام إلا بعد سماع قصص (أم الصبيان) المثيرة للفزع!!