كيف يمكننا إدارة الخلاف بين ضرورة الولاء للدولة المركزية مع وجود ولاء تقليدي للقبيلة؟ لم تعرف المحافظات التي مازالت تتمتع بالبنية التقليدية الولاء للدولة، حيث لم تسيطر الحكومة المركزية على كثير من المديريات، حيث استقرت بعض مؤسسات الحكومة في بعض عواصم المحافظات منعزلة عن السكان، وظلت القبيلة بين هذه المؤسسات وبين المواطنين عن طريق المشايخ. وهكذا ظلت فكرة الدولة المركزية مرفوضة ومبرر ضدها التخريب كلما أمكن،حيث يتم الاعتداء على مراكز الدولة واختلاس أموالها بأية وسيلة ويعتبر ذلك عين البطولة والشجاعة،ويظل ولاء الناس للقبيلة على حساب الولاء الوطني، وهكذا تولدت ثقافة الكراهية والشك من قبل أفراد القبيلة تجاه الدولة ومؤسساتها. وقد تم تعزيز قوة المشايخ حينما تم تحويلهم من مشايخ ضمان إلى متدخلين في الشأن السياسي،وأصبحوا هم المسئولون عن المواطنين مباشرة من دون السلطة. ومما ساعد على ذلك أسلوب التوازن الذي اتبع في فترة ما سواء على مستوى الأفراد أم على مستوى المناطق على إضعاف الدولة المركزية. ولابد هنا من الإشارة إلى أن الأحزاب السياسية التي أسست لمكافحة النظام القبلي، بنيت عملياً على النظام نفسه، حيث روعي في العملية الحزبية مبدأ التوازن القبلي. ونتيجة لهذه الممارسة فقد ضعف الأمن الداخلي وانهار الوضع الاقتصادي نتيجة للثقافة التي تجيز نهب أموال الدولة. وهكذا عمل المشايخ الذين ساندتهم القبيلة وتمددوا بطول البلاد وعرضها، عملوا على عدم الاستقرار السياسي وعارضوا مبدأ التغيير الذي قد يأتي بمشروع مجتمعي مغاير لمشروعهم ومع دخول اليمن مرحلة الديمقراطية في 22 مايو 90م وبداية التعددية السياسية قامت الأحزاب بالبحث عن وسطاء في الاجتماع للاتصال بهم والحصول على ثقتهم،وبما أن المجتمع المدني لم يتشكل في اليمن خلال فترة مابعد الثورة فإن هذه الأحزاب لم تجد أمامها سوى الهياكل التقليدية، أي القبيلة،فذهبت هذه الأحزاب وعلى رؤوس الاشهاد تتسابق لكسب ولاء القبائل واللجوء إلى النظام القبلي. ونتيجة لأن الأحزاب السياسية لم تستطع وضع أسس حقيقية لبنية اجتماعية جديدة فقد أصبح المجتمع ممزقاً، وظهرت ظواهر مرضية خطيرة ذات طابع فئوي مناطقي أصبحت تهدد كيان المجتمع بالتفكك بسبب الصراع القبلي ذاته، وذهبت بعض الأحزاب لركوب موجة هذا الصراع، وتغذيته للحصول على منافع سياسية آنية. والأخطر من هذا كله أنه بدأ يتنامى رأي يدعو إلى اشراك القبيلة في كبح جماح التدهور،مما عمل على انقسام القبيلة إلى قسمين حتى اتسعت دائرة العنف،وهذا سيسمح بزيادة الصراع والتنافس بين القبائل، حيث سيسعى كل طرف إلى البحث عن حصته من الغنيمة وسيسعى لانتزاعها ولو بالقوة،وهناسيزيد النفوذ القبلي وسيدخل المجتمع في صراع على السلطة في ظل أزمة أمنية واقتصادية واجتماعية وسياسية،وهنا سيصبح المجتمع وجهاً لوجه أمام خطر الفوضى السياسية والاجتماعية. والمطلوب في الوقت الراهن - حتى لانصل إلى هذا الوضع - أن يعقد مؤتمر وطني بين مختلف الأحزاب السياسية يعمل على تنمية هياكل المجتمع المدني وملء الفراغ الناتج من الخلل الاجتماعي والسياسي والعمل على إيجاد مخرج حقيقي من هذه الأزمة. ولابد لهذه الأحزاب أن تعمل على تفويت الفرصة على القبيلة التي تتعارض مع الولاء للدولة المركزية وخاصة تلك التي تلجأ إلى التمرد المسلح، ولابد من الاتفاق على ذلك سياسياً وإدارياً ولابد من إجماع وطني على محاربة هذه الظاهرة. لابد من الفصل بين الدور السلطوي للقبيلة والدور الاجتماعي. إننا أمام أزمة مستحكمة باتت مظاهرها جلية في جوانب حياتنا وتفاقمت بفعلها الأخطار المحدقة بالوطن. فلابد من استنفار طاقة الأحزاب السياسية لمعالجة هذه الأزمة.