الإرهاب الذي شجبته معظم الدول العربية والإسلامية والأوروبية والأمريكية على امتداد الكوكب الأرضي المعاصر مبدية الاستعداد لدعم ومساندة الجمهورية اليمنية في معركتها مع تنظيم القاعدة في اليمن والمملكة العربية السعودية الذي يسعى إلى اتخاذ اليمن قاعدة لأنشطته الإرهابية في العالم. لاشك أنه قد استفاد وسوف يستفيد من المخططات الداخلية والخارجية المعادية للثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان. ومعنى ذلك أن حاجة الدولة اليمنية الديمقراطية الناشئة لا ينحصر في نطاق ما تحتاجه الدولة من الدعم المادي الاقتصادي والعسكري والأمني فقط بقدر ما تتجاوز ذلك وهو الأهم إلى الدعم السياسي الذي يبعد الأحزاب والتنظيمات السياسية المتنافسة على السلطة عن الدخول في المكايدات والمزايدات الداعمة للممارسات الفوضوية الانفصالية وحركات التمرد الإمامية العنيفة التي تجعل الساحة اليمنية مفتوحة بلا حدود ولا قيود لتنظيم القاعدة صاحب المصلحة الحقيقية في إضعاف الدولة. أقول ذلك وأقصد به أن هناك ثلاث بؤر خصبة لتغذية تنظيم القاعدة بماهو بحاجة إليه من مقومات القوة الموجبة للمراعاة من قبل الدول الداعمة للدولة. البؤرة الأولى: هي الانشغال بالتصدي للحركة الحوثية العنيفة التي ترفع السلاح بوجه الدولة اليمنية وتزجها في حرب أهلية تستهلك الكثير من الطاقات والإمكانات المادية والعسكرية على نحو تجد به حركة القاعدة أبواباً مفتوحة لكسب الأتباع والمؤيدين المستعدين لتنفيذ ما يكلفون به من مهام انتحارية ضد المصالح الأمريكية والغربية، مستفيدين مما يرفعه الحوثيون من شعارات «الموت لامريكا الموت لاسرائيل» التي تخلف بين المتطرفين السنيين مغريات الانضمام إلى تنظيم القاعدة وبالذات من الشباب العاطل عن العمل من الذين تمزقهم البطالة ويطحنهم الفقر من ذوي الدخل المحدود، والذين لا دخل لهم ومن ذوي الوعي المحدود والذين لا وعي لهم أسوة بما يجد به أتباع المذهب الزيدي من دوافع انتحارية استشهادية فيما يدعو إليه الحوثيون الشيعة. هذه الحركة المتمردة على سلطة الدولة تجد لها من يشجعها ويؤيدها سياسياً وإعلامياً من أحزاب المشترك وصحافته، وما يدعو إليه من المظاهرات والاعتصامات تحت مبرر المطالبة بإيقاف الحرب دون ضمانات تؤدي إلى الحيلولة دون توسع النطاق الجغرافي لحركة التمرد الداعية إلى إعادة الأوضاع إلى ما قبل الثورة والجمهورية. البؤرة الثانية: الحركة الفوضوية الانفصالية التي بدأت حقوقية وسلمية وانتهت انفصالية ذات نوايا عنيفة ومحرضة للكراهية والأحقاد الدامية والمدمرة ترتبط مع المتمردين الحوثيين في الشمال والإرهابيين القاعديين في شمال الوطن وجنوبه بروابط تكتيكية وتنسيقية تلتقي فقط مراحلها على إضعاف الدولة رغم اختلاف ما لديها من الأهداف المستقبلية.. وإذا كان الانفصال مسألة مستحيلة على المدى القريب فإن الممكن الوحيد هو تقوية القاعدة وإضعاف الدولة وزج البلد في حرب أهلية واعدة بتعدد الدويلات والسلطنات والمشيخات الإقطاعية المتصارعة والمتناحرة التي تكرس الصوملة في الجمهورية اليمنية وتتجاوز ذلك إلى إقلاق أمن واستقرار الدول النفطية المجاورة.. ولا أبالغ إذا قلت بأن أحزاب المشترك صاحبة القوة الفاعلة في ساحة وسلطة المعارضة المستفيدة من التجربة الديمقراطية اليمنية هي التي أوجدت هذا النوع من الحراك الفوضوي الانفصالي الذي يستفيد منه تنظيم القاعدة في تقوية حركته وفاعليته الإرهابية الدامية والمدمرة في اليمن وفي العالم. كيف لا ونحن نلاحظ البداية الداعمة للمشترك.. وما أسفرت عنه من تفريخ لهذا النوع من الحراك تحت يافطة القضية الجنوبية.. هذا الشعار الذي بدأ حقوقياً وتحول انفصالياً وبدأ سلمياً مستفيداً من الديمقراطية ثم أخذ يتحول إلى العنف، حيث نجد قواعده وقياداته في الداخل والخارج كانت ومازالت اشتراكية إسلامية القناعة الحزبية والايديولوجية مازالت تحظى بما تقدمه لها أحزاب المشترك من تغطية سياسية وإعلامية تجاوزت الدفاع عما تطلق عليه القضية الجنوبية إلى الدفاع عما يقوم به تنظيم القاعدة من عمليات إرهابية نكاية بصاحب الأغلبية. وقد يكون نوعاً من التكتيك السياسي الذي ظاهره مغاير للباطن نستدل عليه من التباينات الصورية لهذه الجماعات الإرهابية وما تتظاهر به أحزاب المشترك من حرص صوري على الوحدة والأساليب السلمية لا يتفق مع ما تستوجبه الديمقراطية من احترام لشرعية الدولة. البؤرة الثالثة: هي أحزاب المشترك باعتبارها اللاعب الرئيسي على كل الاتجاهات، هذه الأحزاب والتنظيمات السياسية التي أصيبت بخيبة أمل في آخر عملية انتخابية تنافسية رئاسية ومحلية دفعتها إلى الانقلاب على الشرعية الدستورية والشرعية الانتخابية التي ما برحت تتظاهر بالحرص على الإصلاحات السياسية والانتخابية وإعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات باعتبارها القشة التي قصمت ظهر البعير مثلاً، وتقف ضد كل دعوة إلى الحوار الهادف إلى إصلاح وتطوير ما لدينا من المرجعية الدستورية والمنظومة القانونية النافذة.. وتأبى إلا زج البلد في سلسلة من المناورات والتكتيكات السياسية اللاعبة على كل الحبال سواءً بالحبال الممدودة للانفصاليين أو الحبال الممدودة للحوثيين أو الحبال الممدودة للقاعدة.. غايتها إضعاف الدولة وإضعاف القدرة التنافسية للحزب الحاكم وما تخفيه من نوايا تآمرية تستدل عليها مما ذهبت إليه من تشكيل اللجنة التحضيرية للحوار والتشاور الوطني لجنة «الأحمر باسندوة» المكونة من قيادات وأمناء عموم أحزاب المشترك وما أعلنته من وثيقة إنقاذية ولجان حوارية متعددة اتضح منها ما أفرطت به من الشخصنة والتفريط في الحديث عن التوريث وكأن المشكلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والأمنية تكمن في رئيس الجمهورية وأسرته وحزبه الحاكم والحاصل على ثقة الهيئة الناخبة. إن ما تدعو له هذه الأحزاب من دعوات حوارية مع ذاتها ومع الفلول الانفصالية والإمامية العنصرية تكشف الأحداث عن نوع من المغالطة والمناورة التكتيكية الهادفة إلى إجبار صاحب الأغلبية الساحقة على الرضوخ للحوار تحت راية وشروط الأقلية الرافضة لكل الاتفاقات والدعوات والمرجعيات الدستورية والقانونية النافذة.. والباحثة عن سلطة جاهزة بشرعية انقلابية لا تتفق مع جوهر العملية الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان؛ لأنها ترفض الوصول إلى السلطة بشرعية انتخابية مهما كانت حرة ونزيهة وشفافة. وهكذا تأبى أحزاب المشترك إلا أن تضعف الدولة وتفقدها ماهي بحاجة إليه اعتماداً منها أنها سوف تتمكن من امتلاك ما تبحث عنه من شرعية إنقاذية تحت شعار «على رأسي ورأس أعدائي» فنجدها لذلك دائمة الحركة وواضحة النوايا العدوانية الرافضة للاحتكام إلى الشرعية الدستورية والقانونية؛ لأنها في الحقيقة ترفض الانصياع لشرعية المؤسسات وتستغل الخارجين على القانون لإشاعة الأجواء الفوضوية والعنيفة لإشباع ما لديها من رغبات انتقامية غير ديمقراطية، لأنهم يبحثون عن سلطة بأساليب غير ديمقراطية عن طريق إشغال الدولة والحكومة في صراعات وحروب جانبية يتضرر منها الشعب وتجربته الديمقراطية.. كيف لا ونحن نستمع كل يوم إلى مواقف مخزية ورافضة لكل ما له علاقة بالإصلاحات السياسية والانتخابية تطالب الدولة بوقف الحرب وتسليم السلطة للحوثيين وتطالب السلطة بعدم ملاحقة الخارجين على القانون والإفراج عن المعتقلين على ذمة الممارسات الانفصالية وما أسفرت عنه من النهب والسلب والنصب والقتل وقطع الطرقات واختطاف الأجانب. ولعل ما نسب للأخ الناطق الرسمي لما تسمى بلجنة الحوار والتشاور من سخرية بالدولة وإنكار لوجودها وهيبتها ليس سوى قطرة من مطرة.. فهاهي أحزاب المشترك المدافعة صراحة عن المتمردين الحوثيين حيناً وعن الانفصاليين حيناً تؤكد أنها صاحبة دور فاعل فيما تعيشه البلد من الصراعات والحروب.. وقد بلغت إلى الذروة فيما صدر عنها من مواقف لضرب القاعدة وواصفة إياها بكلما هو ذميم وقبيح من الدعايات النقدية المحرضة للشعب على مساندة ومؤازرة تنظيم القاعدة الذي تعول عليه الكثير من الآمال في القضاء على ما تحظى به اليمن من مواقف دولية مؤيدة ومساندة؛ لأن هذه المواقف سوف تتحول من النقيض إلى النقيض ومن الإيجاب إلى السلب إذا نجحت القاعدة في تحقيق أهدافها في ضرب المصالح الأمريكية الغربية اعتقاداً منهم أن هذه الدول الكبرى سوف تعلن اليمن دولة فاشلة لصالح تمكين المعارضة من السلطة. ولعل ما تقوم به أحزاب المشترك من دعوة إلى الحراك في المناطق الوسطى «تعز، إب، البيضاء» يكشف صحة ما ذهبت إليه من توقعات واحتمالات لوجود العلاقة مع هذه الحركات المدعومة والمسنودة من مواقف وبيانات وخطابات وصحافة المشترك الذي يأبى إلا استكمال الحلقات التآمرية الناقصة فيما يدعو إليه سلطان السامعي من دور مشبوه في محافظة تعز وما سوف يليها من المحافظات الوسطى. إنهم تحت راية لجنة «الأحمر باسندوة» يرفضون كل دعوة صادقة ومخلصة للحوار ويرفضون أية انتصارات تحققها الدولة في حربها مع تنظيم القاعدة، كما يرفضون الانتصارات التي تحققها في حربها مع الحوثيين والانفصاليين.. ويرفضون ما دعا إليه الرئيس من حوارات وما يدعو إليه عبر مقالته التي استهل بها العام الميلادي الجديد. ستقول الدول الداعية إلى دعم اليمن بماذا تدعمها بغير المال والسلاح؟ فنقول بالأحرى أن ينصحوا أحزاب المشترك التزام الأساليب الديمقراطية والابتعاد عن الممارسات الفوضوية الهادفة إلى إضعاف الدولة.