من المسلمات أن تنظيم القاعدة ومن لفّ لفه من التنظيمات الإرهابية ذات المرجعية الراديكالية الإسلامية يتسم بالعالمية في بنيته وانتشار أهدافه، ليس لاتساعه أو حجمه، وإنما لكثرة أعدائه واتساع رقعة أهدافه الإرهابية بحيث ألّب عليه الغرب والشرق والمسلمين وغير المسلمين.. بل إنه يعيش في اللازمان واللامكان، إن لم نقل إنه يعيش في كهف التصورات المنحرفة والمتطرفة للنص ونماذج التاريخ الإسلامي. كل تلك المسلمات تجعل تنظيم القاعدة تنظيماً هلامياً زئبقياً يصعب الإمساك به، ويجعل العالم في حالة استنفار أمني في تحسبه لما يمكن أن تقوم به عناصره التي لا تمنعها أية حدود أخلاقية أو دينية أو سياسية أو معرفية من العدوان على أي أحد في أي وقت وفي أي مكان. هذه الطبيعة تجعل مواجهته ذات طابع عالمي، بحيث تتكامل جهود الأجهزة الأمنية والمعلوماتية والإعلامية والسياسية لاتقاء حدوث أي فعل إرهابي تقوم به العناصر الانتحارية الإرهابية للقاعدة، لاسيما وأن الجميع هم هدف لها. هذه الحقائق ولّدت تحالفاً دولياً وتعاوناً من أجل مكافحة الإرهاب منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وحتى الآن. وما يحدث على أرضنا اليمنية أدعى للتعاون والتحالف من أجل مكافحة الإرهاب خاصة بعد انتقال قيادة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من الأراضي السعودية إلى الأراضي اليمنية، وبعد عملية عمر الفاروق. وبالرغم من تاريخ المواجهة والتحالف المستمر لأجل مكافحة الإرهاب إلا أن المواجهة الحالية أكثر اختلافاً بسبب عدة عوامل.. ومن تلك العوامل: تخلص السعودية من عناصر وبؤر الإرهاب الموجودة على أرضها وتسربهم إلى الأراضي اليمنية، فضلاً عن بعض البيئات الحاضنة في المناطق النائية التي هي بعيدة عن عيون الأمن وأجهزة الدولة، ناهيك عما وفرته عناصر حراك التخريب والفوضى من تسهيلات لوجستية لعناصر القاعدة، والتنسيق التكتيكي بينهما. فضلاً عن الفوضى التي تدب في القرن الأفريقي المتاخم لمياهنا الإقليمية والتي جعلت من البحر مصدراً لتهديد الملاحة والتجارة الدولية والإقليمية، وربما مصدراً جديداً لانتقال عناصر القاعدة مع موجات اللاجئين الصوماليين، التي تستقبلها شواطئ اليمن كل يوم لأسباب إنسانية وتزيد من الأعباء الأمنية والاقتصادية، وخاصة بعد تهديدات عناصر جماعة الشباب المسلم الصومالية. ولا أدري لماذا نحمل التنسيق والتعاون والتحالف اليمني العالمي من أجل مواجهة الإرهاب أكثر مما يحتمل، لاسيما ومكافحة الإرهاب تستدعي تحسين كفاءتنا الأمنية والاستخباراتية وتنمية قدراتنا البشرية والتكنولوجية من أقل مراقبة أكثر ضبطاً لحدودنا البحرية والبرية المفتوحة أمام كل الاختراقات التي تهدد اقتصادنا ومصالحنا باستمرار. وإذا كان مؤتمر لندن سوف يساعدنا على توسيع قاعدة أصدقائنا في العالم فما الذي يضيرنا من ذلك؟ حين يساعدنا على عبور الفجوات التنموية الحالية، والتخفيف من وطأة الضائقة الاقتصادية الحالية التي يمكن أن تكون حاضنة جديدة لإنتاج التطرف والإرهاب، والتعاون معنا في مكافحة الإرهاب الذي لا نريد له أن ينفرد بنا ويعزلنا عن العالم. وإذا كانت الخارجية والحكومة اليمنية قد شرحت حدود وآفاق مؤتمر لندن وحرصها على السيادة الوطنية، وأكدت الإدارة الأمريكية من جهتها احترام سيادة واستقلال اليمن وتوضيحها أن الهدف هو تقديم العون الفني والتكنولوجي لليمن ومساعدتها على بناء قدراتها لأجل مواجهة الإرهاب ومثلها لندن وبعض أصدقاء اليمن، فما الذي يزعج البعض من ذلك؟ بلغ الحمق ببعض القوى السياسية أن تدافع عن القاعدة لدرجة اتهام الدولة بالإرهاب، ولم تتحسب حتى للمزايدة التي اعتادت أن ترددها في دهاليز سفارات الدول الأجنبية بصنعاء ومنها السفارتان الأمريكية والبريطانية، لتظهر الأحداث مدى استساغة تلك التنظيمات السياسية لإرهاب القاعدة ودفاعها عنه وتعاطفها الفكري معه. فهل تترك الدولة عناصر القاعدة تمارس إرهابها وتهدد المصالح الوطنية والإقليمية والأجنبية لكي يرضى أولئك عن سياساتها؟ يبقى التأكيد على حرصنا جميعاً على ألا يضع مؤتمر لندناليمن في مربع الإرهاب وكأنها البؤرة المنتجة له لأغراض لا تخدم المصلحة الوطنية وسمعة اليمن أمام العالم، أو تحجب الدور الإيجابي لليمن والجهود المبذولة لأجل مكافحة هذه الآفة العالمية. [email protected]