لا شك أن الحب والولاء للوطن غريزةٌ في الإنسان، وبهذه الغريزة يكون الإنسان مستعداً أن يخسر كل شيء مُقابل أن يرفع من شأن وطنه، وبهذه الغريزة أيضاً تولد ثقافة الانتماء للوطن، فترى الإنسان مهما غاب أو اغترب عن وطنه وابتعد عنه فإنه يحن إليه، ومتى ما شهد أو رأى إساءةً إلى وطنه من أي شخص دافع عن وطنه بكل استبسال.. لكن مع ظهور الإعلام غير الهادف من خلال بعض القنوات الفضائية والصحف والمجلات وضعف الوازع الديني لدى البعض وإهمال التوعية من المعنيين في البيت والمدرسة والجامعة والمسجد للأجيال الناشئة بأهمية ومعنى حب الوطن والولاء له أصبحنا في قلق متزايد على مستقبل هذه الأجيال من ضياع مفهوم الولاء والتضحية من أجل الوطن من ثقافتهم. وهذا بالتأكيد سيترتب عليه نشوء ثقافات أخرى ربما تكون سبباً في ضياع الهوية الوطنية لدى الجيل الصاعد، وبالتأكيد لن تكون في صالح الوطن، وهذا مالا نتمناه أبداً. وهذه مناسبة لتوضيح وجهة نظري في هذا الأمر؛ حيث قد قرأت العديد من البحوث واستطلاعات الرأي التي تنوعت فيها أسباب ضعف الولاء للوطن بين أفراد المجتمع، حيث كان الغالبية يُرجِعون هذا الأمر إلى الفقر والجهل والبطالة. لكني لا أتخذ لمن يبرر بأن الفقر والجهل والبطالة تعد من أسباب ضعف الولاء والانتماء للوطن، وربما تكون هذه أسباباً للجوء الشباب إلى ارتكاب أعمال أخرى كالتعدي على حقوق الناس والانحراف؛ لكن لا تصل إلى مرحلة إضعاف أو انعدام الولاء الوطني لديهم. وفي الاتجاه الآخر ربما يكون هناك متخصصون في هذا المجال من الإرهابيين والدمويين الذين أعتقد بأنهم يعملون على فرض أفكارهم على المغرر بهم ممن يتم استقطابهم إلى صفوفهم، حيث تكون المرحلة الأولى هي تعبئتهم فكرياً بكره الوطن والانتماء إليه من خلال العديد من الأساليب والحيل التي يتفننون فيها ويتقنونها. وهذا ما أدى إلى إلصاق تهمة الإرهاب بالاسلام وفرض إجراءات استثنائية قد تنتهك خصوصية الإنسان كإنسان على كل من ينتمي إلى بعض الدول عند السفر إلى العديد من الدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية. إن الواجب على كافة فئات المجتمع غرس وتنمية مفهوم الولاء الوطني والانتماء لدى الأجيال الناشئة بحيث يقوم كل بدوره؛ فخطيب المسجد يجب أن يُسخّر المنبر لهذا الأمر، ويبين للناس مفهوم الولاء للوطن من منظور الدين، والأستاذ في المدرسة، والأب والأم في البيت، والدكتور في الجامعة، كل في مجاله، بحيث يمثل الجميع حلقة وصل متكاملة بين الفرد والأسرة والمجتمع في إطار الوطن الكبير. وللأسف الشديد فقد أصبحنا في زمن الارتهان والعمالة واللجوء إلى السفارات، وأصبح البعض يفتخر بولائه لغير وطنه، وصار يعمل على تأليب العالم على وطنه من أجل مصالح شخصية وليس لذلك ترجمةٌ سوى أنها خيانة. فربما يُرجع البعض أسباب ذلك إلى إفرازات الماضي الكهنوتي البائد، وقد يُرجع البعض الأسباب إلى مرور اليمن بعدة فترات سياسية كانت سبباً رئيسياً في ضعف الانتماء والولاء للوطن لدى العامة، لكن لا يعتبر ذلك مبرراً من وجهة نظري الشخصية. في الأخير أتمنى من الجميع الاضطلاع والقيام بدوره في تعميق مفهوم الولاء والانتماء للوطن كي نعيش بسلامٍ ووئام في يمن الحكمة والإيمان، يمن العروبة والأصالة والتاريخ العريق. كما هي دعوة خاصة إلى وسائل الإعلام اليمنية وعلى رأسها الإعلام المرئي بأن تعمل على تخصيص أجزاء من أوقاتها للنشء، والعمل على إنتاج برامج متخصصة تعمل على غرس وتنمية ثقافة الولاء والانتماء للوطن. وبالتأكيد سيكون لها التأثير الإيجابي في تنشئة جيل يعرف هويته، ويفتخر بانتمائه وولائه لوطنه، ويعمل على ترسيخ الوحدة والديمقراطية كمطلب أساسي لاستمرار عملية البناء والتطور والرخاء.