الوحدة اليمنية، هذا الهدف الاستراتيجي الكبير الذي ناضلت من أجل تحقيقه الأجيال اليمنية جيلاً بعد جيل بكل الوسائل الكفاحية، وما أسفرت عنه من التضحيات المادية والفكرية من المال إلى الجهد إلى الدم والروح.. لا يمكن للديمقراطية التي تزامن إعلانها مع الوحدة في ال 22 من مايو1990م أن تتحول إلى وسيلة للقضاء على الوحدة من خلال الشعارات الانفصالية التي ترفعها الاعتصامات والمظاهرات والإضرابات التي تتحول إلى أحداث شغب وقطع طرقات، وصولاً إلى النهب والسلب والاختطاف والقتل، وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة، والاستيلاء عليها بالقوة الدامية والمدمرة للأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنشودة. أقول ذلك وأقصد به أن الوحدة والديمقراطية توأمان لا يمكن لأي منهما الحياة دون الآخر، ولا يمكن لأعداء الحياة والحرية والتقدم والرخاء الحضاري أن يتخذوا من الوحدة مشروعية للقضاء على الديمقراطية. ولا يمكن لأصحاب الحراك أن يتخذوا من الديمقراطية حقوقاً مشروعة للقضاء على الوحدة اليمنية، ووصف أبناء اليمن الوحدويين بأنهم مستعمرون لتلك الأبواق والفلول الداعية إلى فصل الجنوب عن الشمال، وإعادة الحياة إلى الدولة الشطرية والشمولية البائدة. وأية دعوة لهذا النوع من الحراك السلمي الذي يحاول أن يحقق بالديمقراطية ما عجز عن تحقيقه بالقوة العسكرية من أهداف رجعية انفصالية لا يمكن التعامل معها باللامبالاة المعبرة عن الاستخفاف والاستهانة بالمسئولية سواء كانت دعوة صادرة عن سلطة المعارضة أم كانت صادرة عن سلطة الحكم، تحت أي ظرف من الظروف ولأي سبب من الأسباب. لأنها تحمل في أبعادها السياسية ومحتوياتها الضمنية دعوة إلى الكراهية والحقد والغدر والتمرد والعصيان على الدولة بكل مؤسساتها الدستورية، وإلى رفع السلاح في وجه الدولة؛ وذلك بالتأكيد نوع من أنواع الإرهاب العدواني الذي يتنافى مع الثوابت الوطنية والمرجعية الدستورية والقانونية النافذة التي تبين الحق الطبيعي والدستوري للمواطن واستخدام ذلك الحق المقدس بما لا يلحق الضرر بالآخر. لأن الخطوط الزرقاء والخضراء والبيضاء المشروعة للحقوق والواجبات تنتهي عندما تتناقض مع الخطوط الحمراء والخطيرة الموجبة لتدخل كافة السلطات الدستورية وبكل ما لديها من القوة والمشروعية لإيقافها حفاظاً على أمن الوطن والمواطن واستقراره واستقلاله وسيادته وسلامة أراضيه ومنجزاته الوطنية. ومعنى ذلك أن المطالبة بالانفصال وإعادة الحياة إلى الدولة الشطرية لا تندرج في نطاق الحقوق والحريات الدستورية والقانونية التي تجرم هذا العمل وتتوعد مرتكبيه بما هو نافذ من العقوبات الرادعة التي تصل حد السجن والإعدام بتهمة الخيانة العظمى وخصوصاً بحق أولئك الخارجين عن القانون من اللصوص ومرتكبي جرائم النهب والسلب وقطّاع الطرق من مرتكبي جرائم الاختطاف والقتل. هؤلاء هم أرهابيون؛ يقلقون الأمن والاستقرار الوطني، وينتهكون كل الحقوق والحريات المكفولة على قاعدة المساواة لكل اليمنيين، لا يختلفون عن الإرهابيين من المنتمين إلى تنظيم القاعدة إلا في كونهم يحصرون إرهابهم في نطاق المصالح الوطنية دون تجاوز ذلك إلى الإضرار بالمصالح الأجنبية داخل وخارج نطاق السيادة اليمنية. إنهم بؤرة من البؤر الفوضوية والعنيفة المغذية للإرهاب الوطني والعالمي بحكم ما يسهمون به من إضعاف لهيبة الدولة والحيلولة دون تمكينها من تطبيق سيادة القانون على أرضها وشعبها. لا يصح مطلقاً لهذه المنظمة أو الهيئة الدولية أو تلك وصفها بالممارسات المشروعة ذات الصلة بحقوق الإنسان؛ نظراً لما تنطوي عليه من أخطار أمنية وكارثية تؤدي بصورة مباشرة وبصورة غير مباشرة إلى تدمير الدولة وتحويل أراضيها إلى غابات وأدغال مروجة للعنف ومغذية للإرهاب الذي يتجاوز الوطني إلى الدولي والعالمي نظراً لما ينطوي عليه هذا النوع من الحراك الفوضوي التدميري من إشكاليات نشير فيما يلي إلى أهمها بنوع من العجالة التي تؤكد صدق الاستدلال ودعمه بالحجة على النحو التالي: 1 هذا النوع من الحراك الفوضوي الذي يتحول في الميدان إلى أحداث شغب ونهب وسلب وقتل لا يتفق مع قدسية الدستور وسيادة القانون بأي حال من الأحوال. 2 هذا النوع من الحراك الفوضوي يحتم على الدولة التفرغ لمجابهته بما يستوجبه من إهدار للكثير من الطاقات والإمكانيات المادية والعسكرية والأمنية التي تسهم إلى هذا الحد أو ذاك في الحيلولة دون تفرغ الدولة لما لديها من السياسات والخطط والبرامج الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ذات الصلة بتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين من ذوي الدخل المحدود والذين لا دخل لهم على الإطلاق من أولئك البؤساء والعاطلين عن العمل الذين تسحقهم البطالة ويمزقهم الفقر ويدفع بهم إلى الانسياق خلف أية دعوة من الدعوات المتطرفة والفوضوية والإرهابية المقلقة للأمن والاستقرار والسكينة. 3 وبدلاً من أن تنشغل الحكومة الديمقراطية في التفرغ لتنفيذ ما لديها من السياسات المجسدة لما وعدت به من تنمية في برامجها الانتخابية إذا بها تحت هذا النوع من الحراك الفوضوي والإرهابي تخصص القدر الأكبر مما لديها من الموارد المالية المحدودة للإنفاق على هذه المعارك الجانبية ذات المعتركات المستنفدة للموارد المتاحة بصورة تزج البلاد في سلسلة من الأزمات والكوارث المفتعلة على نحو يلحق السلبيات بالتجربة الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان، ويؤدي إلى أبلغ الإساءات الدافعة إلى إجراء المقارنات المنطقية بين استقرار وانتاجية الدول والشعوب ذات الأنظمة الشمولية الدكتاتورية مقارنة مع ضعف وفقر الدول والشعوب ذات الأنظمة الديمقراطية، وبصورة تظهر الدولة المستبدة على أنها أقدر من الدولة الديمقراطية على حماية أمن الوطن واستقراره، وتطبيق سيادة القانون، والنهوض بما لديها من سياسات وخطط وبرامج اقتصادية وتنموية تؤمّن للشعوب قدراً معقولاً ومقبولاً من الحياة المعيشية بعيداً عن اللجوء إلى انتهاج القناعات الأيديولوجية والإسلامية المتطرفة والفوضوية العنيفة. 4 وهكذا تؤكد هذه الممارسات الفوضوية المعادية للنظام والقانون والتواقة إلى المزيدات والمكايدات السياسية والدعائية أن الديمقراطيات الناشئة تفتقر إلى قدر من الاستقرار الاقتصادي والمعيشي والثقافي الذي يساعد الهيئة الناخبة على تحقيق ما يجب أن يتحقق من قفزات سياسية واقتصادية واجتماعية متوازنة ومتوازية تجعل التداول السلمي للسلطة عملية جدلية طليقة ومتحررة من ذل الحاجة وطغيان الفقر والجهل والمرض، والتخلص وفق رؤية متحررة من ذل الحاجة وهوان الفقر والجهل في سباق التداول السلمي للسلطة والاستخدام العقلاني والموضوعي للحرية المستنيرة وفق إحساس ناضج بالمسئولية على قاعدة التوازن والتوازي بين الحق وبين الواجب، والوحدة والديمقراطية والتنمية السياسية والتنمية الاقتصادية والقناعة الفكرية والممارسة العملية دون طغيان أحدهما على الآخر.