في جنوباليمن ومنذ إعلانها بعد الاستقلال تحت مُسمى «جمهورية اليمنالجنوبية الشعبية»، ثم التعديل بمسمى «جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية» بدأت الصراعات منذ الاغتيال الغامض لفيصل عبد اللطيف الشعبي، ثم حادثة طائرة الدبلوماسيين في عام 1972، وصولاً إلى سلسلة الأحداث الصراعية الداخلية التي توجت بمذبحة يناير لعام 1968م . في تلك المراحل كان الشمال يراقب الموقف عن كثب في الجنوب، وكانت التقاطعات الحميدة تنسيقاً وتكاملاً ملغومة بتقاطعات غير حميدة، مداها تصفية الحساب بين النموذجين، ولقد تبيّن هذا الأمر بعد الوحدة مباشرة، فالعنفوان العاطفي المندفع نحو الوحدة الاندماجية الشاملة سرعان ما كشف المستور، فإذا بالنموذجين يتناطحان حد الاغتيالات والاستقطابات والتعطيل المتعمد للتسيير والإدارة، وصولاً إلى الاعتكافات والتأزيم الذي أفضى إلى حرب عام 1994، وبهذا تفارقت الأهواء وبدأت متوالية للفساد، وكان من نتائجها إلهاء الدولة وتدويخها، وصولاً إلى تعطيل برامج التنمية، مما استدعى سلسلة من الإجراءات الراديكالية بحثاً عن مخرج من هذه الحالة. أمام هذه الحقيقة المفجعة تفارقت الرؤى بين من يطالب صراحةً وبوحاً بالانفصال، ومن يرى الذهاب إلى تصحيح مسار الوحدة هيكلياً ، ومن يعتقد أن ما يجري حالياً من صيغ يحقق هدف التصحيح، وأخيراً وليس آخراً من يرى أنه لا مشكلة أساساً، وأن القائلين بوجود مشكلة ليسوا سوى نفر من المغردين خارج السرب. أمام هذه البانوراما من الرؤى المتباينة تمسك العقلاء بصيغة الوحدة القابلة للذهاب بعيداً في اللامركزية المؤسسية وتضع بعين الاعتبار تعظيم أفضيات التنمية والتسيير اللامركزي الذي أثبت جدواه في أرجاء المعمورة . اللامركزية تستحق دراسة جادة وتشاوراً وطنياً عميقاً، لأنها الصيغة التي تجعل الوحدة والتنوع وجهين لعملة يمنية واحدة، ولكنها إلى ذلك تحقق التنمية المستدامة، وتحرر الدولة المركزية من عبودية اللهاث وراء التفاصيل اليومية لبلد كبر وتكابر، ولزمن لم يعد قابلاً للإدارة بمنطق الماضي القريب.