إن المرحلة التي نعيشها، والأحداث التي اجتاحتنا والصراعات بكل ألوانها وتقاطعاتها وأوجاعها تحتم علينا القراءة الواعية والتأمل العميق في الأسباب التي وقفت ومازالت وراء المتاعب والأزمات والصراعات الدموية والثأرات والتمردات والتقطعات والجحود الوطني وانتكاس قيم الثورة والدولة والجمهورية والوحدة والديمقراطية واحترام وقبول الآخر.. الإحياء الثقافي أصبح ضرورة وطنية، المعركة الكبرى التي تنتظر اليمن واليمنيين، مشوارنا الذي لم نبدأه حتى اللحظة، مع أنه المشروع الأول الذي كان لابد وأن يرافق الثورة والدولة، يعزز قيم وفلسفة ودستور الجمهورية، يغرس القناعات الوحدوية وسبل التعايش الآمن المستقر الناهض والنابض بالحب والتفاني والإخلاص الوطني، يعلي قيم العدالة والمساواة, يحميها ويدافع عنها، يحترم النظام الديمقراطي المتغلغل في وعيه المتجسد في سلوكه الممتد إلى حقوقه وواجباته وحرياته الخاصة والعامة. الثقافة الوطنية المفقودة تحتاج من الجميع سلطة ومعارضة, دولة ومجتمعاً، جماعات وأفراداً، منظمات وهيئات وجمعيات اجتماعية وخيرية، نقابات ووجاهات، مثقفين ومفكرين، باحثين وأكاديميين، وكتاباً وصحافيين، معلمين ومربين، الجماهير اليمنية بدون استثناء، الوقوف أمام الفراغ والتصحر الثقافي، لأن استمرار الجفاف المفجع في التغذية الثقافية للجماهير والأجيال والشباب اليمني سيفرز مستقبلاً احتقانات وترسبات ومشاكل ودعوات قد تصيب اليمن واليمنيين بمقتل لا قدّر الله إن لم نسارع إلى تدارك الغياب المفجع للثقافة الوطنية التي تعتبر المغذي الرئيسي للولاء الوطني والانتماء المقدس للوطن. المكاشفة الإيجابية بين كل القوى والتيارات السياسية والفكرية والتربوية والاجتماعية فيما يخص الغياب والتصحر الثقافي أمر يرقى إلى مرتبة الواجب والفريضة الوطنية التي لا يسع أحد إهمالها أو إغفالها أو نسيانها، لما لها من أثر كبير في مجريات الفرد والأسرة، المجتمع والدولة، الحزب والقبيلة. لأن غياب البعد الثقافي أو المرجعية الثقافية يحدث هشاشة في قوة الولاء والانتماء الوطني، مثلما يفقد الفرد والأسرة والمجتمع فاعلية الشراكة الدائمة مع مؤسسات الدولة وأجهزتها وبرامجها ومشاريعها، ليس ذلك فحسب، بل يتحول النظام الديمقراطي برمته إلى وسيلة للخروج على النظام والقانون والتمرد على الدولة وحمل السلاح في وجه الوطن وقطع الطرقات وبث روح الشر والفرقة والكراهية داخل النسيج الاجتماعي، السبب يكمن في الفراغ المخيف في وعي الشباب وعقولهم الذي لم يملأ بالثقافة الوطنية باعتبارها المحصن الأول للوعي والانتماء الوطني والضمير الحي. الحوار الوطني لابد أن يضع مسألة أو قضية الإحياء الثقافي وتجديد روافد الثقافة الوطنية كأهم نقطة في جدول الأعمال، والأهم من ذلك الخروج بمعالجات واقعية لا تحتمل التسويف والمماطلة والحسابات الخاصة، إذا لم نعر البناء والتنمية الثقافية اهتماماً كبيراً فلا ندري ما الذي سيؤول إليه الشأن الوطني. ويكذب من يدَعي أنه في غياب التنمية الثقافية يستطيع قراءة المستقبل القريب أو البعيد.