إذا جاز القول إنه توجد بعض ملامح الديمقراطية لدى الأحزاب السياسية في اليمن، فلابد من القول أيضاً إن العبرة هي بالممارسة والنتائج وليس بالظاهر مهما اشتد زعمنا أو حديثنا عن الديمقراطية.. والدليل على غياب ثقافة الديمقراطية هو الصمت المريب من قبل القوى السياسية تجاه العنف الذي يتناسل كل يوم بطول البلاد وعرضها. والحقيقة هي أن جوهر الممارسة من قبل هذه القوى يظل مجافياً لجوهر الديمقراطية، بل تظل الديمقراطية شكلاً بلا مضمون؛ وخاصة عندما تتفق هذه القوى على إجراء حوار وطني فيما بينها، والأهم والأخطر من ذلك كله أن واقع الحال داخل اليمن يزداد تمزقاً. وتظهر على السطح - برغم كل محاولات الإخفاء - علامات تعكس عدم الثقة في الذات، وتعبّر عن نفسها بعصبية التعامل مع الآخر، بعيداً عن منافذ الحوار التي هي جوهر الديمقراطية والارتكاز على آليات القوة التي مهما تعاظمت لا تضمن لأي شعب شرعية البقاء والاستمرار. وإذا كان هدف الديمقراطية هو تحقيق وضمان الاستقرار لأي مجتمع، فهل الديمقراطية في بلادنا وفّرت ذلك للشعب اليمني الذي تجاذبته قوى سياسية مختلفة وسعت بحر العداء فيما بينها برغم كل الدعوات المخلصة من قبل بعض الكتّاب والمثقفين لإزالة الشك وفتح صفحة جديدة من التعايش والحوار فيما بين هذه القوى؟!. إن الديمقراطية التي نتباهى بها، هي التي حوّلت اليمن إلى دولة صراع، صراع داخلي بين الأحزاب والساسة، وأيضاً هذه الديمقراطية هي التي حولت أحزابنا إلى حامية للنزاع السياسي والفوضى. إن الديمقراطية لا يمكن لها أن تنمو أو تستقر إلا إذا كانت تمارس في دولة تملك قدرات ذاتية، وأحزابنا السياسية كما نعلم - ويعلم الجميع - أنها تتصارع على السلطة وليس على وظائفها؛ مهملة الفقر المائي، والتردي الصحي، وانهيار التعليم، وتحول البلاد كلها إلى مزرعة قات!!. إن النموذج الحزبي في اليمن يمثل أكبر إساءة لمعنى وجوهر الديمقراطية؛ لأنه في حقيقته لا يعدو كونه مجرد وسيلة لتنظيم الصراع بين أطراف مختلفة. ونتيجة للتعامل مع الديمقراطية بهذه الكيفية غابت الدولة المدنية بسبب عدم امتلاك الأطراف السياسية لمشروع واضح المعالم لهذه الدولة، بل إن كل الأطراف تختصر هذه الدولة بمدى وجودها في مركز القرار من عدمه. وهانحن اليوم أمام اتهامات متبادلة بين السلطة والمعارضة؛ كل طرف يحمّل الطرف الآخر مسئولية الاحتقان السياسي والعنف القائم. والحقيقة هي أن المواطن أصبح في حيرة من أمره، لا يدري ما هو المدى الذي يتحمله المؤتمر الشعبي في هذه المسألة، وما هي مسئولية أحزاب اللقاء المشترك. المدهش هو أن الأطراف جميعها تفقد جوهر القضية، بما جعلها تلجأ في حواراتها إلى وسائل غير دستورية لتصيب الدستور والديمقراطية في الصميم. ولعل تأجيل الانتخابات قد كشف للمؤتمر حجم الفخ الذي نصب له، لكن ذلك لا يكفي ما لم يتوقف أمام المهام الاقتصادية حتى لا يتم جرّه إلى حروب هنا وهناك تكون على حساب التنمية، لذلك فهو محتاج إلى تغيير الجغرافيا الاقتصادية من خلال سلسلة من المشروعات التي تشمل جميع المحافظات. وأعتقد أن مثل هذه المشاريع هي التي تحتاج أو تستحق نقاشاً وحواراً واسعاً بنفس القدر على الأقل الذي يجري استغراقه في الحديث عن السلطة. وفي اعتقادي أن المؤتمر الشعبي لا يمكنه تجاهل ما هو مطروح سواء من قبل اللقاء المشترك أم المعارضة غير المنظمة والتي أصبحت مستاءة من الأوضاع السياسية والاقتصادية أو حتى من قبل تلك الجماعات الهامشية التي ركبت موجة المعارضة هنا وهناك بعد أن انحسرت الأضواء عنها، فهذه الجماعات تسهم في تشكيل صورة البلاد في الداخل والخارج. ولست أظن - في ظل تحديات غائبة تفرضها علينا استحقاقات العصر الذي نعيشه - أننا قد استوعبنا حجم أخطائنا التي ارتكبناها في حق هذا الوطن. ولذلك فنحن نحتاج إلى ثقافة جديدة تلغي من حياتنا الإقصاء وعدم الاعتراف بالآخر، وتحثنا على إعادة النظر في رؤيتنا لأولويات التنمية والتركيز على التنمية البشرية. لقد قلتُ قبل سنة وفي هذه الزاوية إن تأجيل الانتخابات يعد كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وقد قال نفس الكلمة رئيس الجمهورية في خطابه أمام خريجي الأكاديمية العسكرية قبل أيام. ولعل تأجيل الانتخابات كان ضرباً للديمقراطية ولشروط تراكمها.