تناقضان كبيران وغريبان في زمن التكتلات والانفتاح والمعلومة والتكنولوجيا، يُحيّران كلَّ من يتابعُ المتغيراتِ السياسية والاقتصادية في العالم ، ويقارنها بما يجري في بلدنا وتحديداً عند بعض السياسيين وحملة الأقلام تجاهه ، ففي الوقت الذي يسعى فيه الآخرون للانضمام إلى تكتلاتٍ إقليميةٍ ودوليةٍ وبإلحاحٍ كبير ، نظراً لما سيترتبُ على ذلك من مصالح ومكاسب يكون المواطنون أول المستفيدين منها ،والشواهد على ذلك كثيرة .. نرى وبكل أسف أناساً ينتمون لهذا الوطن الغالي وبكل إصرارٍ ومجاهرة يعملون على تشتيت أهلهم وتمزيق وطنهم . حرقةٌ وحسرةٌ وألمٌ وخوفٌ على مستقبل الأجيال تُصيبُ الإنسانَ عندما يرى زملاءَ له في المهنة والحرف وصحفاً تتحول إلى سهامٍ تُصوبُ إلى نحر الوطن الذي يحتضننا جميعاً ، ويمرقون عن أهداف صاحبة الجلالة التي تعتبرُ أداةً لزرع القيم النبيلة وتكريس ثقافة التسامح والوحدة والمحبة والإخاء والسلام والذودِ عن الوطن والحرية والديمقراطية ويحولونها إلى وسيلة مضادة تماماً تشيعُ ثقافة الكراهية والمناطقية والعنصرية والطائفية والقبلية والحقد وإذكاء نار الصراعات بين أبناء الوطن الواحد ، وبأسلوبٍ فجٍ مبتذل يؤكد بأن وراء الأكمة ما وراءها . لا أدري إلى أي منطق يركن هؤلاء ؟ وعلى ماذا يبنون نظرياتهم وآراءهم ؟ ومن أين يستمدون أقاويلهم ؟ وهل أن الديمقراطية والحرية تعنيان إثارة النعرات وإشعال الفتن والتجريح والتخوين ؟ وهل كراهية النظام ومعارضته تعني تمزيق النسيج الاجتماعي للبلد ؟ لا أريد أن أخوض فيما نُشرَ وينشرُ من مواضيع أقل ما توصف بأنها مُريضة نظراً لما تحويه من ألفاظ ومصطلحات عفا عليها الزمن وتجاوزتها دولٌ خاضت حروباً وصراعاتٍ مريرةً ، إلا أنني سأطرحُ أمام زملائي الأعزاء عدداً من التساؤلات التي أتمنى عليهم الوقوفَ عندها ولو لبرهةٍ وجيزة ، من باب النصح الأخوي الصادق والمجرد ، وبكلِ موضوعية ، وليس من باب المزايدة ، فكلنا خطاءون .. لماذا لا نؤمنُ جميعاً كباقي صحفيي ووطنيي العالم أن أيَّ قضية عادلة في أي قرية أو مدينة أو جزءٍ من هذا الوطن العزيز هي قضيتُنا جميعاً ، وعندما يخطئ أو يجرم مسؤولٌ أو صغيرٌ أو كبيرٌ بحق مواطن آخر بأنه يمسنا جميعاً ؟ لماذا يُجيّرُ البعضُ منا قضيةً له فيها منفعة على حساب أكثر من ثلاثة وعشرين مليون مواطن ؟ كيف ننتقد الانفلات الأمني الموجود وهذا حق وعندما تقوم الجهات الأمنية بمسؤوليتها يصبُ البعضُ الزيت على النار، لتصبح الشرارة جحيماً تلتهم الأخضر واليابس ، الصغير والكبير؟؟ وهل سنكون بمنأى عن أي خطر لا قدّر الله. ؟ لماذا نجعلُ من الوحدة المباركة التي يعتبرها كبارُ مثقفي العالم العربي والإسلامي إشراقة من إشراقات هذا الزمن الرديء ، وسيلةً للابتزاز والارتزاق الرخيص المبتذل عندما تتضررُ مصالحُنا الشخصية بدلاً من استغلالها في نشر قيم المحبة والتآخي والتآزر كونها نواةً للوحدة العربية ؟ لماذا نُحمّلُ الوحدة الغالية وزرَ وفساد مسؤول أو مسؤولين – وما أكثرهم – بدلاً من كشف الفساد والمفسدين والمطالبة بمحاكمتهم وإقصائهم من مراكزهم واستبدالهم بمسؤولين أكفاء وشرفاء وما أكثرهم في وطننا أيضاً .؟ يا أخوتي الكرام ويا زملائي الأعزاء : فلنتق الله في هذا الوطن الذي يحتاجُنا جميعاً ، كما نحنُ في أمسّ الحاجة إليه ،والذي لن يُبنى إلا بسواعدنا جميعاً ، سلطةً ، ومعارضةً ، ومستقلين ، ومنظماتِ مجتمع مدني ، جنوداًَ ، وصحفيين ، أطباءَ ومهندسين ، كما انه سيكشّرُ أنيابه بوجوهنا ويجور علينا عندما نكون أول من تآمرَ عليه ودنّسَ ترابَه الطاهر. مع الأسف الشديد أن البعض يستسهلُ ما يُقالُ وما يُكتبُ بحق وطننا دون أن ندرك ما جرى ويجري في بلدان شقيقةٍ عزيزةٍ علينا جميعاً ، ودون أن نسأل أنفسنا عن الأسباب التي هوت بتلك البلدان إلى مستنقع الصراعات والحروب الأهلية التي قتلت مئات الآلاف وشردت الملايين ، ودون أن نُذكَّر أنفسَنا بأن الحرب أولها كلامُ ، وأن الوطن أغلى وأكبر من الجراح مهما عظمت ..