أصبحت وسائل الإعلام ذات تأثير كبير على الأفراد والمجتمعات، وكلما تقدمت تكنولوجيا الإعلام أصبحت أكثر تأثيراً، وأصبح المتلقي أكثر عرضة للتأثير المباشر لتلك التكنولوجيا التي تلاحقه إلى كل مكان، وكلما تقدمت وتعقدت التكنولوجيا أصبح الإنسان أكثر عرضة لغوايتها وتأثيرها، وأصبح أكثر حاجة للحماية من آثارها.. وغالباً ما تتردد مقولة “الأصل في الأفعال الإباحة” وبالرغم من كونها قاعدة فقهية؛ إلا أن تطبيقها على وسائط حساسة مثل وسائط الإعلام فيه كثير من التبسيط. وتلك القاعدة تناسب المجتمعات البدائية مجتمعات الصحراء حيث لا تعقيد في الحياة، أما التحضر فهو مرتبط بتعقيد ودقة التشريعات في كل العصور. وهناك علاقة مضطردة بين تحضر المجتمعات وبين تعقيد التشريعات، فالمجتمعات البدائية فقط هي التي لا تعرف التشريعات. وحين نتحدث عن تكنولوجيا الإعلام والاتصال اليوم فإنما نتحدث عن أكثر الظواهر تعقيداً سواء من حيث بنيتها المستندة إلى الدقة والحساسية والعقلنة والنظام، أم من حيث استخدامها وتأثيرها الطاغي على الأفراد والمجتمعات وارتباطها الشديد بحياتهم. حيث أصبحت تكنولوجيا ووسائل الإعلام تؤدي وظائف أساسية في المجتمع لم تعد التسلية في أولوياتها، وتلك الوظائف تصبح أكثر أهمية في البلدان التي لاتزال في طور النمو، ولها وظائف بالغة الأهمية في رفع مستوى الوعي الاجتماعي وفي تحقيق الاتصال الاجتماعي السياسي، والثقافي، والاقتصادي، وهي حق من حقوق الإنسان ذو صلة بمنظومة الحقوق الأخرى. وإحالة على نظرية المسؤولية الاجتماعية، فإن وسائل الإعلام ومنها السمعية البصرية، تؤدي وظائف مهمة في المجتمع، لكن نمو قدرتها على التأثير وخاصة في عصر الصورة وتعدد الوسائط السمعية البصرية يجعلها ذات خطورة كبيرة تستلزم التنظيم وحماية الأطراف المتداخلة في هذا النوع من الاتصال بالغ التعقيد والتأثير.. وحينما ننظر إلى أية قاعدة تشريعية تنظم هذه الشبكة المعقدة من الوسائل والرسائل والمحتوى السمعي البصري الرمزي المكثف، فإننا إزاء نظرة مسئولة تأخذ في الاعتبار توازن المصالح. ولعل النمو السريع والمركب للظاهرة الإعلامية في صورتها التكنولوجية والتقنية المتجددة على الدوام يجعل التشريعات متخلفة عن المواكبة، ولا أدل على ذلك من شكوى الصحافة الإلكترونية من عدم استيعاب القانون الحالي الذي أصبح قديماً لها.. وتبرز بعد ذلك حاجات جديدة؛ منها تعدد الإعلام السمعي البصري، وتعدد ملكيته وخطابه، وتلبية الحاجات الاجتماعية والتنموية الجديدة، ومن ذلك مخاطبة الشرائح المختلفة بخطابات خاصة وبأساليب إعلامية مناسبة. لكن التدفق الإعلامي الفضائي والإنترنتي الخارجي أصبح يهيمن على المشهد ويشوش الشخصية الوطنية المطلوبة ويؤثر سلباً على أولوياتنا المحلية، فضلاً عن اختراق التكنولوجيا لإمكانات التنظيم والحجب والتحكم والاحتكار والانتقاء، الأمر الذي يضعنا أمام تحدٍ كبير في أن نصنع إعلامنا الخاص المنافس أو أن نظل رهائن التلقي السلبي الذي لا علاقة له بنا. وفي هذا السياق نتابع الجدل القائم حول مسألة تنظيم الإعلام السمعي البصري ومشروع وزارة الإعلام الذي يدور حوله لغط كبير. ومن الملاحظ أن ما يدور لا يخضع للنقاش العقلاني، وإنما لأولويات ذاتية سياسية تبدو فيها حرية الصحافة من طرف سياسي وإعلامي شماعة تعلق عليها كل حيثيات الصخب والصراخ خارج الموضوعية. بينما تستلزم العملية الديمقراطية والتشريعية أن تشارك كل الأطراف المعنية في مناقشة النص محل النظر والمراجعة ليس بعين الحاضر فقط بل بعين المستقبل أيضاً؛ باعتبار المواكبة للتطور السريع لتكنولوجيا الإعلام والاتصال. والمبادرة تحتاج إلى طموح ليس لتقنين ما هو قائم بل ما سوف يقوم من مؤسسات إعلامية يراد لها أن تؤسس، وتلك غاية تحتاج إلى بُعد نظر لا تقتصر على الواقع الدكاكيني القائم؛ بل السعي الدؤوب نحو مأسسة الإعلام الأهلي والخاص. ولكن يظل هناك تساؤل مشروع عن حدود حاجاتنا الفعلية من الإعلام السمعي البصري، في ضوء الحاجات التنموية الراهنة. Aalnahary @yahoo.com