الحديث عن التغيير في المجتمع يتعدّى مجرّد تصحيح منظومة الأعراف والموروثات الاجتماعية والتي تفرض نفسها بما تحمل من مفاهيم خاطئة وأفكار مغلوطة وتتمتع بالمشروعية ويلتف الناس حولها حيث أصبحت إرثاً ثقيلاً وعبئاً في طريق تقدم وتمدن المجتمع واللّحاق بركب العلم والحضارة، فالتغيير هو معركة الحياة الكبرى لِخدمة الوطن والإنسان حيث يضمن الحفاظ على أمن واستقرار المجتمع ويمده بالقوّة والقدرة على البقاء بعد أن يخلق مجتمعاً مدنياً عادلاً يسوده القانون والأمن والعدل والسّلام والتكافؤ في الفرص والحقوق، كما أنه يحقق العدالة الإنسانية التي أقرها الله لكل البشر ويوفر سُبل الحياة الكريمة لكافة الفئات المحتاجة، ويرفع مستوى الوعي ويعزز ثقافة احترام حقوق الإنسان . أما الفساد والفاسدون دائماً ما يقفُون حجر عثرة أمام أية أطروحات ورؤى وأفكار جديدة ويسعون للحفاظ على صورة المجتمع المتخلف والسمات التقليدية السائدة لضمان بقاء مصالحهم وعرقلة أية مسيرة تنمويّة ونهوض اقتصادي وعلمي من شأنه أن ينقل المجتمع نقلة نوعيّة ويلبي طموحات الناس وأمانيهم، لذلك قلنا إن التغيير لا يتوقف عند اقتلاع جذور العادات والتقاليد المقيّدة لحركة الإنسان وضرورة الاستناد إلى العقل، بل من ضروريات التغيير محاربة كل أنواع الفساد الذي يعكر صفو المجتمع ويَحرم الناس من فرصهم الحقيقية في الحياة وينصر الظالم على المظلوم ويقلب بموازين المجتمع. وعندما نسأل: التغيير مسؤولية من....؟ فإننا نرمي بالكرة إلى ملعب المؤسسات والمرافق الحيوية داخل المجتمع فهي نقطة البداية وتمتلك مفاتيح الحسم والتغيير وبمقدورها تحمل مسؤولية محاربة الفساد والدعوة إلى تشكيل فكر جديد، ذلك لأن موقعها الريادي يؤهلها للعب هذا الدور الهام كونها تحظى بقبول اجتماعي، ويمكنها أن تصبح هي الرائدة والقدوة في التغيير. وفي مقدمة تلك المؤسسات هي الجامعات، فعندما تراودنا فكرة التغيير الفعلي والتقدم والبناء الحضاري ترنو أنظارنا باتجاه منابر العلم والثقافة، لأنها الرهان على المستقبل وتلامس طموحاتنا باستثمار طاقة الإنسان وتحويله إلى فرد منتج ونافع وتتولى تحديث منظومة الفكر والارتقاء بمستوى الوعي والتنمية، والجامعة كمؤسسة علمية المفترض أن تكون هي القدوة في التغيير وترفض الزج بنفسها في كل أشكال الفساد، ولكن عندما تكرس الجامعة الواقع المتخلف وتقبل في صفوفها بعض الطلاب –رغم أنه خارج لوائحها وأنظمتها- الحاصلين على معدلات ضعيفة في الثانوية لا تؤهلهم للانضمام في صفوف الدراسة الجامعية وتقبل بهم كون آبائهم يتمتعون بالنفوذ والسطوة، بينما طلاب آخرون رغم أن معدلاتهم تؤهلهم للانخراط في الدراسة الجامعية ترفض الجامعة إعطاءهم مقاعد دراسية وتقبلهم فقط في التعليم الموازي مع أنهم من أسر فقيرة، فمن هذا المنطلق تعتبر الجامعات شريكاً أساسياً في الفساد بعد أن حرمت المستحقين من فرصة التعليم ومنحتها إلى من لا يستحقها بعد أن اقتحمت الواسطة والمحسوبية أسوار منابر العلم، وهو المكان الذي كنا ننظر إليه على أنه القدوة في التغيير والسلاح من أجل الانتصار في معركة الحياة الكبرى. [email protected]