صدق من قال أن هناك من الخطباء من ينبغي ألا ينزل من المنبر إلا إلى المحكمة! فالبعض يوزع الاتهامات ويرفع البطاقات الحُمر في وجه هذا أو ذاك سواء ببينة أو بدون وهذه ليست من وظائف المنابر، وإذا كان ولابد فليلجأ بعض الخطباء إلى المحكمة إذا اعتبروا أنفسهم (قضاة لا دعاة). فقد سمعت بنفسي بعضهم يتهم كُتاباً وصحفيين بما ليس فيهم وبدون بينة ودليل. “كلمة الجمرة لا تلسع لسع الجمرة” ولذلك لا يشعر بمعنى غياب فقه وأدب الاختلاف وقساوة وخطورة الاستبداد الديني إلا من اكتوى بناره واصطلى بسعيره وسعاره...ويظهر أنه اليوم لم يعد عملاً فردياً بل صار أسوة بالاستبداد السياسي عملاً مؤسسياً تتداعى له هيئات علمية ومؤسسات شرعية أجزم أنها تفتقد لأدنى معايير العمل المؤسسي. وآخر ما طالعنا من ذلك هو بيان سلمته “هيئة علماء اليمن” لرئيس الجمهورية فيه اتهام لملحق “أفكار” بالدعوة الصريحة للفاحشة!! ولأن البيان صدر عن هيئة “علماء” اليمن ضعوا خطاً تحت كلمة علماء إذن فمن المؤكد أن الهيئة تدرك جيداً معنى “الدقة العلمية” و«البحث العلمي» و«المعايير العلمية والموضوعية» ولابد أنها أبعد ما تكون عن “الانفعالية والعاطفية والشخصانية” في إصدار أحكامها على الأشخاص والظواهر والأشياء، لذا ، راعني الأمر، ودفعني لتجشم عناء البحث والاطلاع مجدداً على أعداد الملحق من أول صدوره ،علّي أجد هذه الدعوة الصريحة أو حتى الضمنية للفاحشة التي تدعيها هيئة “العلماء” فما وجدت شيئاً مما قالوا...فهل أقول “للعلماء” (قل نبئوني “بعلم” إن كنتم صادقين). قلت ربما المقصود ما دار من جدل على صفحات “أفكار” حول قانون تحديد سن الزواج، وقد أصدر بعض “علماء اليمن” بياناً ضد القانون اتهموا فيه مخالفيهم بمحاربة الإسلام والعمل وفق أجندة غربية...الخ. الغريب أن واحداً ممن قابلوا الرئيس،تحدى وتأملوا كلمة (تحدي) .. وكأننا في حلبة مصارعة! في مقابلة له مع “ملحق أفكار” أن يأتي المطالبون بتحديد سن الزواج بفتوى لإبن عثيمين تجيز التحديد، وتصدى الزميل مجيب الحميدي (للتحدي) ونشر فتاوى عديدة لابن عثيمين ولعلماء كبار آخرين يجيزون فيها تحديد سن الزواج بل وبعضهم يوجبه، وكان المنتظر منه ومن العلماء الموقعين على بيان حرمة التحديد أن يردوا رداً علمياً رصيناً بعيداً عن التجديف والاتهامات الشخصية لكن تفاجأنا بردهم الراسخ في العلم : (اتهام ملحق “أفكار” بالدعوة الصريحة لنشر الفاحشة!!) إنني هنا أبحث عن الأخلاق العلمية فحسب. فعلاً..الجهل أخصب بيئة للاستبداد بكل أنواعه ولأن الشعوب العربية تنازلت عن حريتها لحكامها، وباعت عقولها لكل من خاطبها من “العلالي” حاكماً كان أوعالماً أو حتى جاهلاً متفيقهاً أو متثيقفاً.. فلا مكان عندها للنقد ولا لطلب البرهان والحجة ولا حيز في تفكيرها ل: “لماذا وماذا وكيف ومتى وكم”ولا أهمية في ذهنيتها ل:«تبينوا» أو«تثبتوا» أو “ هاتوا برهانكم” أو “نبئوني بعلم” بل نهجها: “من قال لشيخه: لمَ؟؟لم يفلح!” و«أسمع وأطع وإن ضرب خدك أو أخذ مالك». مادام الأمر كذلك، فلا داعي لأن تعتذر هيئة العلماء لملحق أفكار، ولا حتى أن ترد على فتاوى القرضاوي وابن عثيمين والعبيكان وغيرهم، ولا أن تناقش مناقشة علمية، ولتوقف يا«سمير» ملحق “أفكار” بتهمة:( الدعوة «الصريحة» لنشر الفاحشة) وليحيا الجهل والاستبداد...تباً!