شتّان بين حربِ العقولِ الحقيقية وإبداعاتها التي لا تزالُ مُجردَ أحلامٍ تراودُ بعضَنا ، وبين حربِ العقول التي أقصدُها في هذا المقال .. فالأولى حربٌ مُستدامة ولن تخمد ، أبطالُها عقولٌ تُفكرُ لتبدع وتبتكر ما يخدمُ الإنسانية ويُنمّي الاقتصادَ ويحمي البلدان ويعودُ بالنفع على الأجيال والأوطان ، عقولٌ تُسابقُ الزمنَ في تقديم كل جديد تكنولوجياً وطبياً وفيزيائياً ورياضياً و... إلخ . أمّا حربُ العقول عندنا نحن « أمة الصدق والوفاء والإخلاص والأمانة »وهي نسبية بالطبع فإنها حربٌ أكثرُ تطوراً وإبداعاً وتمتلك أدوات غاية في الدقة ، بل أبرع ما توصّلَ إليه العقلُ البشري ،، فلدينا « سياسيون » يُحيكون المؤامرات والدسائس ضد بعضهم ، وبالأصح ضد وطنهم، الثقةُ بينهم منزوعة ، ومن أجل الوصول إلى أهدافهم يسلكون طرقاً غير مشروعة ، يُشجعون الخارجين على القانون للانتقاص من هيبة الدولة ويقفون حجرَ عثرة أمام المشاريع الاقتصادية والتنموية والاستثمارية ، يُعارضون الخطأ والصواب ، لم يَعُدْ للثوابت عندهم أدنى حرمة ، بل يوظفونها بصورة سافرة كأوراق ضغط دون النظر إلى ما سيترتب على ذلك التوظيف من نتائج وخيمة .. ولدينا « مسؤولون » بارعون في نهب المال العام والكسب غير المشروع ونهب الأراضي والتلاعب بأقوات الآخرين وأموالهم ، يُزمجرون بالوعود دون أن يلتفتوا إليها على الرغم من أنهم أقسموا على أن يصونوا ثروات الشعب ويحافظوا على مقدراته وممتلكاته . ولدينا «صحافيون ومثقفون» تركوا ميثاق شرف المهنة خلف ظهورهم ، فتراهم لا يُضاهيهم أحدٌ في نسج الإشاعات وحبك الدسائس وصياغة السيناريوهات التي تعودُ على الوطن بالمكتسبات الكبيرة من القتل والدمار والفوضى والاختطاف والإرهاب والترويج لثقافة الكراهية والمناطقية والعنصرية وغيرها من الدعوات المأفونة التي لفظتها كلُّ الشعوب باستثناء شعوبنا التي تمتلك منهجاً مقدساً نهاها عن كل هذه الأمراض الجاهلية ، لكنها تأبى إلا أن تُنفذ ما يريده الأعداءُ لا ما يُريده الله والصادقون المخلصون لبلدهم وتطمح إليه الأجيالُ . خلاصة القول : هم يُفكرون ليبنوا أوطانهم ، وفينا من يفكرُ كيف يهدمُ وطنه ؟! فهل من مُدَّكر؟ توضيح : قد تكون نظرتي ومُقارنتي في هذه التناولة سوداويتين ، وقد ينظر إليهما البعض من باب جلد الذات ، لكن مبعثهما هو التحسّرُ على الواقع الذي يُريدنا البعضُ غارقين في أوحاله ، ويسعون لما هو أسوأ، في الوقت الذي نمتلك فيه عقولاً لا تقلُّ عن تلك التي تمتلكها الدولُ المتقدمة ووصل بعضُها إلى العالمية وتحتاج إلى من يأخذ بأيديها ويفسح لها المجال لتفريغ طاقاتها ويتبنّى إبداعاتها ، كما أن الغاية من هذا الطرح هو النأي بأنفسنا عن التقوقع خلف السلبيات والولوج إلى فضاء أرحب وأوسع للنهوض بالوطن وقبل ذلك الإنسان باعتباره الثروة الرئيسية لبناء الحضارات.