ما من شك بأن كل منجز عظيم تقابله في مراحله ومنعطفاته وتحولاته تحديات ومتاعب وهموم ومطالب، مادية ومعنوية، ثقافية واجتماعية، داخلية وخارجية، تحاول بكل الوسائل إيقاف عجلة التنمية والحيلولة دون بلوغ المجتمع الأهداف والمقاصد المنشودة.. الوحدة اليمنية هي إحدى تلك المنجزات العظيمة التي زلزلت الوعي والكيان اليمني، خلطت في الوقت نفسه الأوراق الإقليمية والدولية لا تقل أثراً عن الأحداث الكبرى التي تعيد كتابة التاريخ وترتيب الجغرافيا وفق اللحظة والحدث والموقف والنتائج. حلم كبير كان ضمن الأماني والبكائيات الكبرى، منجز كانت الأقدار هي التي أحكمت نسج وخلق الظروف والوسائل واللحظة والموقف والرجال، من يقل بأنه فكّر وقدّر وخطط وأحكم وقرّر ونفّذ وصنع هذا المنجز الإنساني بعيداً عن الأقدار وحركة التاريخ وعفوية الشعوب؛ فإنه لا محالة غير مدرك لعظمة المنجز وأهمية الحدث وحكمة الأقدار الإلهية التي كانت خلف هذا المنجز الوحدوي العظيم لحظة بلحظة ومرحلة بمرحلة وقدراً بقدر، خاصة إذا ما وقفنا بتأمل موضوعي متجرد أمام المنعطفات الصعبة والمؤامرات القاتلة التي واجهت حركة المنجز الوحدوي اليمني في الوعي الاجتماعي والواقع المعيشي والحراك التنموي والصراع السياسي والعسكري بين الإخوة شركاء الموقف والإنجاز، بالإضافة إلى الأعاصير المدمرة إقليمياً ودولياً. مع كل تلك الصور والدروس تكشف لنا أن بعض اليمنيين لم يستوعبوا بعد عظمة المنجز الوحدوي، أو أن المنجز العظيم هذا قد أحدث لديهم حالة غير طبيعية من الانبهار والاندهاش أفقدهم الوعي والتوازن، مما جعل بعضهم يتصدر حالات العبث والفوضى والارتداد الفاضح والمهين عن الوحدة اليمنية. والبعض الآخر استغل انشغال الدولة والمجتمع بترتيب الأوضاع وتثبيت الأمن والاستقرار ومد أسباب وعوامل التنمية إلى المناطق النائية والمحرومة وغياب الرقابة الرسمية والاجتماعية، فمالوا إلى الفساد ونهب المؤسسات والإثراء غير المشروع بالتحايل والكذب واستلام المشاريع من المقاولين والشركات المنفذة رغم أنها تفتقد لأدنى المواصفات المطلوبة مما أحدث خسارات فادحة ومتعبة للخزينة العامة وإرهاق الدولة بمشاريع أخرى بديلة لتلك الخربة. في المقابل تسبب قصور بعض اليمنيين عن استيعاب وإدراك عظمة المنجز الوحدوي في مضاعفة التحديات التي تواجه هذا المنجز؛ أحدثت في طريق تنميته الاقتصادية والثقافية والاجتماعية عراقيل ومتاعب تستهلكه على الدوام مادياً ومعنوياً. تحول في الوقت نفسه وبشكل مخيف دون تنامي الوعي الاجتماعي الرافض لأي مؤامرات أو دعوات تستهدف المنجز الوحدوي من الداخل أو الخارج، مقارنة بما كان عليه الوعي الاجتماعي قبل أحداث صيف 1994م، الأمر الذي شكّل تحدياً داخلياً يستنزف الوقت والجهد والإمكانيات الاجتماعية والرسمية، يوزع الفتن في محافظات الجمهورية مرة هنا وأخرى هناك، يغذّي وبخبث الأجيال اليمنية بثقافة الكراهية وعدم احترام الضوابط والأنظمة والقوانين والحياة. لذلك كان من الواجب على الدولة والمجتمع، النقابات ومنظمات المجتمع المدني، والجامعات ومراكز البحوث والدراسات، والحزب الحاكم وأحزاب المعارضة الوقوف أمام تلك التحديات الراهنة وغيرها من التحديات التي أثّرت ومازالت في الوعي والتفكير والحياة الاجتماعية بشكل غير مسبوق؛ لا يتجاهل تلك التحديات إلا من كان هدفه وصول المرحلة والحالة والأوضاع إلى النقطة الحرجة التي لا تترك لعاقل اختياراً أو حكمة أو رشداً. [email protected]