لم يكن غريباً على أبناء تعز عندما تقاطروا زرافات ووحداناً إلى الشوارع استقبالاً للرئيس علي عبدالله صالح اثر عودته من عدن بعد توقيع اتفاقية الوحدة في 30 نوفمبر عام 1989م. لقد كان هذا تعبيراً عفوياً لأبناء هذه المحافظة، ومن شدة الفرحة الغامرة بهذا الإنجاز التاريخي غير المسبوق في التاريخ اليمني المعاصر، فقد تخطت الجماهير المراسيم البروتوكولية، وكادت أن تحمل الرئيس علي عبدالله صالح وهو فوق سيارته؛ غير آبهة لأي شيء. وهذا الشعور الوجداني والعاطفي مع حدث تاريخي كبير لم يكن أيضاً منفصلاً عن السياق التاريخي للأحداث التي سطّرها أبناء هذه المحافظة، سواء في المدد البشري والمادي الذي برز بوضوح في الحركات التي استبقت قيام الثورة السبتمبرية عام 1962م؛ أم في دعم الثورة نفسها وترسيخ جذور النظام الجمهوري التي توجت بانتصار ملحمة السبعين يوماً. وتاريخ أبناء هذه المحافظة في المدد الثوري لم يقتصر على تلك الأحداث، وإنما في غيرها من التحولات التي شهدتها اليمن خلال القرن المنصرم عندما تحولت هذه المدينة إلى جبهة خلفية لثورة 14 أكتوبر المجيدة، وكانت محطة تاريخية لزيارة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر الذي أطلق شرارة الاستقلال من تعز عندما قال: «على المستعمر أن يحمل عصاه ويرحل». بل إنها كانت الجسر لعبور المدد والعون لثوار ومناضلي حرب التحرير الشعبية، كما كانت أيضاً قبل ذلك منطقة "ترانزيت" لعبور الثوار من أبناء الشطر الجنوبي لنصرة إخوانهم من المناضلين في ثورة 26 سبتمبر المجيدة؛ الأمر الذي يؤكد واحدية النضال الوطني ضد نظام الإمامة والاستعمار، وواحدية النصر ضد كل التحديات.
على أن الدلالة الأهم وأبناء تعز يحتفلون في ميدان الشهداء أن يتذكروا هذا المكان عندما كانت رؤوس المناضلين والأحرار تجندل بسيف الطاغية؛ بينما يمثل اليوم دلالة رمزية لحالة الحرية التي يعيشها الوطن وفسحة للابتهاج والفرح الجميل. وكل عام والجميع بخير.. ومدد يا تعز مدد.