في السنّة النبوية يُكره النوم بعد صلاة الصبح؛ لكأن الله الذي يحب الجمال يريد للمسلم أن يستمتع بأجمل ميلاد في الطبيعة, ميلاد النور. ولقد أقسم الله عزّ وجل بهذا الميلاد فقال: (والصبح إذا تنفس) شبّه الله الصبح كما لو كان مخلوقاً غير قادر على التنفس لوجود شيء ثقيل جاثم عليه، إنه الليل بطول ظلامه وقتامة كآبته. وشعوب الزراعة كشعب اليمن ما يعرفون النوم بعد إشراق النور وقبل ميلاد الصباح, بل إن المزارع يستبق مع الفجر, ويعيش حدث الميلاد, يتلقف بكارة الصبح بسعادة وحبور, يملأ النور حنايا قلبه موشّى بلحون العصافير والطيور. وفي فصل الصيف تكثر هذه العصافير والطيور المهاجرة إلى اليمن؛ فتطرز الفضاء بألوانها المتناسقة وألحانها العذاب المخضلة بالندى البديع. وتغنى الشاعر اليمني بهذه الصحبة الجميلة للصباح؛ فهاهو يخاطب: (يا طير يا ناشر بضوء باكر) ومن أسمائنا في اليمن «ناشر» ومعناها مبكر، ولا تكاد تشرق الشمس حتى يكون اليمني قد عاد من حقله أو ظل هناك يبادله حباً بحب؛ ووداً بود. وشبّه النبي - عليه أفضل الصلاة والسلام - هذا المسلم الذي لا يؤدي صلاة الصبح, وتشرق عليه الشمس وهو نائم، بل قال فيه بأنه يظل طيلة يومه (خبيث النفس كسلان) أو في الحديث (بركة أمتي في بكورها) وفي المثل اليمني (البكر فيها النصر) وحتى عهد قريب كانت الفتاة التي تشرق عليها الشمس وهي نائمة لا تتزوج. وجاء التلفزيون بمحطاته الفضائية المفتوحة وإغراء ثقافات العالم، فاسترق الأبصار والألباب؛ ينقل هذا القروي والحضري إلى أنحاء مختلفة من هذا الكون الفسيح، فينقاد الرائي لسحره وبريق فتنته وعذوبة تنويعات مشاهده. فهو ينتقل بك بين الداخل والخارج، ويطوف بك في عوالم بكر لم يسبق أن شاهدتها, بل هو يمكّنك بلمسة أزراره أن تختار في أن تنتقل من فضاء إلى آخر كما لو كان هذا الريموت «مصباح علاء الدين» أو «جني سليمان» فتارة أنت في هذه القارة أو تلك، وأخرى أنت مخيّر لتشهد مآسي الحروب أو جنات الخلد. لقد تآمر التلفاز على الصباح، وجلب للنوم والكسل زبائن يفوتهم إشراق النور الوليد، ويحرمون هبّات نسائم الصباح البديع.