الذين يحرمون صلاة الصبح، يحرمون من هذا الجمال البديع، جمال انسلاخ النهار عن الليل وهي آية من آيات الكون الكبرى: «وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مبصرون». كان أستاذنا الانجليزي بجامعة الملك سعود ينزعج كل صباح من مصباح الكهرباء، فيقول إن الكهرباء مؤامرة على هذا الجمال الإلهي، النور الطبيعي. وكانت جدتي نور رحمها الله حتى أيام البرد الشديد تعلو سطح منزلها بعد صلاة الصبح مباشرة لتشهد انتصار النور على الظلام. وقد وقف الأديب الشهيد سيد قطب رضوان الله عليه كثيراً عند قوله تعالى: «والصبح إذا تنفس»، لكأن الليل يسدف ظلامه وإظلامه كان مخلوقاً ثقيلاً جاثماً على أنفاس الصباح. وفي القرية كنا نعجب من آبائنا في القرية، فما كادت أعيننا ترى نور الشمس حتى نرى هؤلاء الآباء وقد عادوا من الحقول، كما لو كانت تحية الصباح تستحقها هذه الحقول والوديان. أذكر أن القرية كانت ترفض الزواج من فتاة تشرق عليها الشمس ولما تزل نائمة.. فهذه الفتاة لا تستحق الزواج، ليست مؤهلة لتكون ربة بيت، وزوجه صالحة. فلما جاءت المدنية الحديثة أرسلت كوابيسها إلى القرى واغتالت جمال الصبح وجمال الطبيعة معاً، فأفران «الروتي» في كثير من القرى والساتلايت يربض على نبض القلوب الشابة، فتيانا وفتيات، فاليقظة تكون عند العاشرة أو الحادية عشرة، ولقد جربت أنه حين غلبني النوم فلا أصلي الفجر، أني أعيش كل اليوم «خبيث النفس كسلان» كما في الحديث الشريف. نحن جيل بلا فجر، بلا نور، بلا جمال، حتى النور أصبح صناعياً.. وأول الثورة عندما كانت طفولتنا بكراً، كنا نسأل أنفسنا ونحن نصحب آباءنا إلى المشفى الجمهوري: لم تضاء الكهرباء بينما النهار موجود لنجيب أنفسنا: لعلهم نسوا أن يطفئوه.. لعلهم يسرفون، لعلهم مغفلون.