ان ظاهرة التعصب الديني منبعها الأساسي من خلفية ثقافية قديمة وإشكالية لا واعية أحياناً وهي الانغلاق الثقافي لأنها تشكل مرتعاً خصباً لاشكاليات اجتماعية خطيرة وثقافات متخلفة يأتي التعصب الديني أو المذهبي أو العرقي في مقدمتها. وكما أورده الدكتور سليمان ابراهيم العسكري رئيس تحرير مجلة العربي الكويتية في العدد «615» لمجلة العربي وإشارته المباشرة لحادثة الروائي الراحل نجيب محفوظ او بواقعة مقتل الكاتب المصري فرج فوده واستدل بأن منفذيها شخصيات جاهلة غرر بعقليتهم الساذجة فإننا لو حاولنا نقل التغرير إلى أوروبا وقمنا باختيار شخصية تنم عنها الجهالة والسذاجة لانتهت المحاولة بالفشل الذريع في أغلب الأحيان لأن العقلية الأوروبية قد تأصلت في تكوينها اللاواعي على الانفتاح الثقافي الذي يتسع لتناقضات العقائد والأديان ويشمل أشد التيارات الفكرية وأعتى الاعراف ضراوة وهذا كله يتم وفق صورة حضارية رائعة. ان إعادة قراءة التاريخ الإسلامي تجعلنا نفكر بأن المسلمين الأوائل حينما انطلقوا في الآفاق ينشرون الاسلام ولغتهم العربية إنما نجحوا لأنهم انطلقوا من أرضية الانفتاح الثقافي فتقبلوا هذه الثقافات بالرغم من التباين العظيم بين ثقافة الصحراء البدوية وثقافة الحضارات الراسخة في التمدن والتاريخ ولكن آفاق الانفتاح الغث ضيق الخصوصيات. إننا على مستوى وطننا العربي والإسلامي وفي الوقت الراهن في حاجة ماسة إلى إعادة هيكلة العقل العربي وخصوصاً جانب الرؤية والنظرة تجاه الذات والآخر وهذا التغيير الجذري يلزمه في الحقيقة مرتع خصب لا يتوفر إلا بتوفير الانفتاح الثقافي كخلفية لاواعية تعطي الجميع تفهمنا نحو الآخر والقضاء على بعض الرؤى التخلفية مثل أفضلية الأنا والإقصاء والاغتيال والإرهاب ومن ضمن هذه الهيكلة مسألة افتاءات الفضائيات التي انتشرت كغيرها من اشكاليات واقعنا الاعلامي المعاصر، فالرائع والجيد منها ضائع وسط هذه الكثافة المعتمة والمتأمل لواقع بعض الاستفتاءات العربية والتي تنم عن ضبابية دينية في بنية العقل يجسد الاستفتاء عن كيفية المشي والوقوف والحركة والنطق بينما يتم الاستغلال الأمثل لهذه الضبابية من قبل بعض المفتين في زيادة الهيمنة المذهبية على الناس وعدم توعيتهم بأن الاسلام ليس دين القولبة والتأطير والتحجيم وإنما دين الانطلاق والمعاصرة. ونخلص إلى القول ان الانفتاح الثقافي يمنح خصائص ثقافية ايجابية أخرى مثل ثقافة التسامح والتفرغ للعطاء والإبداع والتكافل والوطنية والحرية والوحدة والديمقراطية فلا مزايدات على الوطن، والحرية مكفولة لكل الأطياف. أما الديمقراطية فهي تمثل إرادة وتوجه الجماهير الشعبية.. لهذا فإن توسيع دائرة الانفتاح الثقافي المنظم يعني النواة الأولى للانطلاقة الفعلية تجاه آفاق التقدم والازدهار والتصدي لمخاطر الإرهاب بشتى أشكاله وما يؤدي إلى تجاوز قيم الحرية والمساواة والثقافة المعاصرة.