كتبنا عن الهموم وعن الامنيات الشخصية والعامة القريبة منها والبعيدة, وعن الأفراح والأتراح كتبنا, وعن الخير والشر ندعو للأول ونرفض الثاني ونحذر منه.. تقاسمتنا تقلبات الدهر وتحولات الزمن بين حال وحال.. نطارد الفكرة نمسك بها في الضوء فتهرب في الظلام الذي يطول في غياب الكهرباء لأسباب لم تكن اضطرارية هذه المرة ولمرات سبقتها عديدة حضرت فيها ردود الافعال المستعجلة والقادمة من زمن لاعلاقة له بالضياء لكنه شديد الصلة بواد الأمنيات والمنجزات تماماً مثل وأد البنات في زمن يشبهه إلى حد التطابق بالتمام. كتبنا بأقلام شتى عن كل شيء وكنا نظن أننا نصنع شيئاً واشياء بما نكتب وأن مجموع ماكتب الكاتبون يكفي لإنتاج مصباح من وعي يفرق بين الصالح والطالح من الأعمال والتصرفات والمطالب.. كنا نظن أن زحمة الصحف والإصدارات الاخرى والقنوات الفضائية التي تنطق بما يكتب بالاقلام فيطير عبر الأثير نحو المسامع مصحوباً بالصورة التي تلائم النص لمزيد من الايضاح لزيادة الادراك والفهم, كنا نظن أن كل هذا سيمحو الجهل مع مرور الأيام ويخنق الظلام بالنور والجهالة بالمعرفة والجنون بالعقل وسيزحف على حصون الجاهلية والتعصب والنعرات التي لايفرق أصحابها بين المعقول واللامعقول والمشروع من اللامشروع.. كنا نظن أن عدد الكتب المدرسية منها والجامعية وغيرها من كتب الأدب والفكر والثقافة العامة والتاريخ والدين التي تباع في المكتبات والاكشاك وفي معارض الكتب السنوية وعلى أرصفة الشوارع كفيلة بأن تشعل شمعة من الوعي في كل دار في الريف والحضر وإن لم يكن ذلك فأقل تقدير أنها سوف تجبر الجهل والجهالة وعادات وتقاليد عصر الجاهلية على التراجع إلى أبعد مدى فلا نجد قاطع طريق أو مختطفاً يمتهن الاختطاف بفخر مع سبق الإصرار والترصد.. ولن نجد قاتلاً يعترض طريق السائرين الآمنين الابرياء فيقتل من استطاع منهم بلا رحمة ومن غير ذنب سوى الهوية التي رسمها له الشيطان ومن أجل مشروع من الاوهام تنسج خيوطه وتحاك راياته فتأخذ ألواناً مختلفة من يوم لآخر, ولن نجد من يغلق مسامعه ومداركه عن الحقائق ليفهم الأمور وفق الاهواء والرغبات والمصالح ووفق السياسات التي لاتحترم القيم والاخلاق ولاتؤمن بها.. هكذا كنا نظن أن الأمور قد صارت في عهد الفضاء المفتوح والصحف والاصدارات والكتب التي لايعترض سبيلها شيء, وإذا بنا نغرق في الظلام وإذا بقطاع الطرق يخرجون من الكهوف والاوكار تماماً مثلما خرج الذين من قبلهم في عصور ماقبل الكتابة والكتب والصحف والفضائيات مع إمكانية أن ترى قاطع طريق في هذا الزمن يحمل في إحدى يديه كتاباً لكنه مثل الحمار يحمل أسفاراً, وربما ظن الحمار أن في الكتاب نصاً يأمره بما يفعل دون أن يقرأه. حكايات كثيرة ظننا انها لم تعد موجودة في زمن زحمة الصحف وزحمة الفضائيات في الفضاء وإذا بها لم تزل عند البعض وبأسوأ الفصول وأكثرها وأشدها ظلاماً. عبثاً تكتبون أيها الكتاب وتقولون أيها الناطقون عبر الأثير صوتاً وصورة, فلا من يقرأ وإن قرأ, ولامن يسمع وإن استمع أو سمع.. لم يتغير في الأمر شيء بل جرى تكييف الاحداث لتتماشى مع العصر وفق مسميات عصرية وحديثة ومابعد الحداثة, فالمشكلات معاصرة والفوضى منظمة وخلاقة ومنها الفوضى الرقمية وها نحن نكتب في الظلام لواحد من الاسباب العصرية الموغلة في الجاهلية ومن آفاق الذاكرة يطل صوت فيروز( كتبنا وماكتبنا وياخسارة ماكتبنا).