قال أحد العلماء يوماً : لو تعارضت حقيقة علمية أو مسلّمة عقلية مع حقائق هذا الدين لتركت هذا الدين ! ولكن لم يحصل وأجزم أنه لن يحصل يوماً ان يحدث تعارض بين حقيقة علمية وحقيقة إسلامية. ورغم ان كلامه بديهي إلا أن بعض الحاضرين استغرب مقالته تلك، مع ان هذا خلاصة مايفهم من كتاب ابن تيمية حول (درء التعارض بين العقل والنقل) حيث قال: إننا في المسائل الكبرى نأخذ بالدليل القطعي لا لأنه نقلي ولا لأنه عقلي ولكن لأنه قطعي ! المعجزة الإسلامية هي معجزة عقلية في المقام الأول، وقد حاجج القرآن المشركين لا بمعجزات خارقة للعادات بل بحجج عقلية، من مثل (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون..) وعندما كان يقيم الحجج والبراهين كان يطالبهم ويتحداهم ان يأتوا بمثلها: (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين)، (قل نبئوني بعلم) وأول كلمة فيه كانت أمراً بالقراءة، وعمل على إنشاء العقلية العلمية البرهانية الاستدلالية حتى في المجال الاجتماعي: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) وفي قراءة : (فتثبتوا ). ونهى عن اتباع الآباء والكبراء والجماهير بدون حجة ولا علم : (أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون) ( إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا) الآيات.. وفي الحديث : (لايكن أحدكم إمّعة ). ولذا نجد ابن القيّم عندما يقرأ بعض شطحات الإحياء في الزهديات المبالغ فيها والمنافية لروح الإسلام يقول معلقاً وبكل جرأة: ( وهذا فوق الجنون بدرجات )! وقد قدّم كثير من أهل العلم الرأي القوي على الرواية المريبة، واعتبر أهل الحديث اعتلال متن الحدث علة كافية لنزول رتبته والقدح فيه. غياب العقلية القرآنية العلمية الاستدلالية في طريقة التفكير لدى المسلمين لم يورثنا اختلالاً ثقافياً فحسب بل انسحب بطبيعة الحال على كل مناحي الحياة. فعلى المستوى السياسي انحشرت أساطير وخرافات سياسية ووجدت مقولات لبعض الزعماء مكاناً وقبولاً لدى الجماهير مع انها أقرب للخرافة منها للعقل، فحاكم عربي يمتنّ على شعبه بأنه يعولهم كما يعول الأب أبناءه، وليس لديه 5 أو 8 أبناء فحسب بل لديه عشرات الملايين!! وهذه المقولة لا تحتاج إلى تعليق بل إلى إشفاق الشعوب العربية على حاكم الصين مثلاً الذي يعول مليار نسمة !! وعلى المستوى المعيشي تأمل انتشار عيادات التداوي بالقرآن والرواج العجيب للمشعوذين - وبإعلانات حديثة وبمسوغات دينية أحياناً – فهم يعالجون من الإيدز والسكر والكبد وجميع الأمراض المزمنة وغير المزمنة.. في ظل أميّة علمية وثقافية وقانونية وغياب للتفكير العقلاني الذي لو كان لأطاح بمثل هذه الظواهر واستخف بأصحابها. العقل المسلم اليوم عقل تنطلي عليه الأوهام ويفرح بالظنون والشائعات وتسيطر عليه الأساطير والخرافات السياسية والاجتماعية والدينية.. عقل مستسلم لكل من خاطبه من عالٍ، حاكماً كان أم عالماً أم كاتباً.. عقل يطرب للجلبة والصراخ والقعقعة اللفظية أكثر من طربه للفكرة والحقيقة والبرهان.. (إن يتبعون إلا الظن، وإن الظن لايغني من الحق شيئاً) ودمنا عقلاء !