تاريخ من الوجع بنكهة الخذلان, والذين يبيعونك عند أول اختبار , الفقدان .. و التركة الثقيلة من الخسارات , وكل الوجوه التي وثقت بها واعتقدت أنها آمنت بنضالك ولن تسلمك يوماً لكلاب الطريق. من قال أن نسيان كل هذا نعمة ؟ النسيان يا سادة مرض يصيب الذاكرة , يلغي الأحداث الفريدة التي شكلت ملامحنا ,وينقلها من طور التجارب التي ينبغي أن نتأملها وندرسها ونخرج منها بقواعد حياتية في المشاعر والسلوك إلى مجرد مشاهد عبثية مفرغة من محتواها على افتراض أننا استطعنا بالنسيان تجريد هذه الصور من ذلك السيل الجارف من المشاعر المصاحبة لها. ومن التسطيح العجيب والتعميم الأعجب أن نقرن بين النسيان والتسامح , فمن ينسى عند الكثير هو بالضرورة طيب القلب . الحقيقة أن ثمة فارقاً بين أن تنسى وتسلو, في الأولى أنت تقع تحت سطوة الذاكرة ,تقرر نيابة عنك فإما أن تنسى أو تظل تحت سياط الذكريات . وإن نسيت فنسيان العاجز أو المريض. أما السلوان فهو قرارك أنت وخيارك لا خيار غيرك . أن تمسك الوجع بيدك بكل شجاعة , فتذكر السبب والمسبب ثم تهطل في هذه الأثناء أمطار الرضى لتغسل ممرات قلبك, وتلافيف ذاكرتك , فهذه هي الطيبة الحقيقية. السلوان إذاً أن تسامح نفسك قبل غيرك أن تعيش سلاماً داخلياً بكل ما تحمله من مدخرات في خزنة الذاكرة. والسلوان لا يحتاج أن تنفصل عن ذاتك وتتنكر لها , لتنال شهادة طيبة القلب من الآخرين , إنه أكثر شجاعة من النسيان لأننا أكثر حرية في ظله من أي وقت مضى. نبضة لعلكم تذكرون معي نكتة القطة التي سقطت من أعلى ففقدت الذاكرة وبدلاً من أن تقول (ميو ..ميو) قالت (هو ..هو) كارثة أن تنسى لدرجة أن تصبح شخصاً آخر !!