عمل سيدنا ورسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم في التجارة مع أم المؤمنين خديجة وقد تزوجته بعد ذلك لصدقه وأمانته، ولم يكن هو صاحب المال ولكنها وجدت فيه ما لم تجده في غيره من صفات جعلتها تتزوج ذاك الفتى الأمين ليرعاها ويرعى مالها ولم ينظر هو إليها على أنها صاحبة العمل والتجارة التي يجب أن يتزوجها وينقل كل شيء إلى حوزته كونه الرجل بل كان صلى الله عليه وسلم ذاك الصادق الأمين قبل وبعد زواجه بها ولم يرد في السيرة أو الأحاديث أنه شعر يوماً بتعالي أم المؤمنين السيدة خديجة عليه أو العكس بل ما ورد أنه كان يحبها حباً قوياً حتى بعد موتها ولم تكن تغار أمنا عائشة عليها السلام من بقية زوجات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر مما تغار من أم المؤمنين خديجة وهي ميتة، وقد سمى الرسول العام الذي ماتت فيه السيدة خديجة بعام الحزن من شدة حزنه عليها وعلى عمه أبوطالب. وفي عصر التابعين كان للتابعي سعيد بن المسيب ابنة على قدر كبير من العلم وتقدم للزواج بها كثير من الأمراء والميسرين ولكنها رفضتهم وقبلت بالزواج من أحد طلبة والدها فلما أن أصبح أخذ رداءه يريد أن يخرج فقالت له زوجته : إلى أين تريد؟ فقال: إلى مجلس سعيد أتعلم العلم فقالت: له اجلس أعلمك علم سعيد طبعاً جلس زوجها فوجد عندها ما عند أبيها من علم ففرح بذلك ولم يخفه بل ذكره وأشاد بعلم زوجته. بدأت بهذه المقدمة لأنني أردت أن أقارن بين الماضي والحاضر في النظر إلى العلم والمال وطبيعة العلاقة في الأسرة الواحدة إذا كانت المرأة هي الأكثر مالاً أو علماً والمرأة هنا في الأغلب الزوجة،وهذه المقارنة ستكون من خلال قصة واقعية رصدت تفاصيل أحداثها وذلك عندما اختار أحد الشباب فتاة تفوقه علماً ومالاً ومكانة لتكون زوجة له. وبعد السؤال عنه كما يحدث في مجتمعنا اليمني، وافقت الفتاة دون أن تنظر لذلك الفارق وأرادت أن تبني بيتاً وأن ترتقي في التعامل مع من رضيت به شريكاً لحياتها خارج نطاق المظاهر والرسميات والاجتماعيات التي لاتجلب سوى الديون،وانكسار القلوب، وازدياد العوانس، وانحراف الشباب، وتذكرت قدوتها السيدة خديجة وابنة سعيد بن المسيب ورضت بمهر لا يتناسب مع مستوى عائلتها متذكرة قول الرسول عليه الصلاة والسلام” أقلهن مهراً أيسرهن عشرة” وطبعاً لأننا في مجتمع متطور شكلاً لا عقلاً عن عصر الصحابة والتابعين فإننا وجدنا أماكن راقية أحياناً للعمل والعلم ولكن لم نصل إلى طرق راقية للتعامل فيما بيننا في مثل هذه الأماكن لنعكس هذا التعامل في المجتمع ككل، وهذه القصة تعكس صحة هذه السطور. بدأت الفتاة ترسم لنفسها بيتاً من الأحلام، تسكنه مع شريك حياتها الأمل في أن تعيش حياة تملأها السعادة، ويحوط تفاصيلها التفاهم، والعقلانية، والحنان الذي يبحث عنه أي مقدم على الزواج سواء كان رجل أو امرأة، ثم انتقلت للعمل فهرعت لكتابة قائمة التفاصيل التي قد لا يستطيع خطيبها تجهيزها، فخططت كيف ستقوم بشراء هذه التفاصيل التي قد لا يرى خطيبها فيها أي أهمية، لكنها كامرأة حاذقة أرادت أن تستكمل التفاصيل لتصنع لنفسها حياة كاملة دون أن تعلم خطيبها بالأمر، فهي لا تنظر إلى المال بقدر ما تنظر إلى السعادة التي تخيلت أنها ستصنعها لأسرتها. ولكنها وهي ترسم حياتها الأسرية بدأت تلحظ عينيه تلاحقها في كل مكان، بدأ يرصد تحركاتها وعدد من تحدثوا معها والمكالمات التي تصلها وربما الأوراق التي توقعها وربما كان كل يوم ينظر إلى عدد أصابعها إن كانت ما زالت كما هي. بدأت تشعر بملاحقة نظراته إذ لم تكن تشعر أنها بدافع الحب بقدر ما هي ترصد لمواقف هي في الحقيقة عادية في نظرها ولكنه يتخذها وسيلة ليلقي عليها بعدها أوامر لا مبرر لها. وليست بتلك الأهمية التي تجعله متمسكاً بهذه الأمور، ولكن ليوحي لها بأشياء هي من هيبة الرجل من وجهة نظره. بدأت تشعر الفتاة باهتزاز ثقتها بنفسها وتسأل هل هو يحبني ويغار عليّ إلى درجة تجعله لا يرغب أن يراني أحد، فشعرت بسعادة لغيرته، وابتعدت عن كل ما يمكن أن يثير في نفسه الغيرة أو يضايقه، واستسلمت بارتياح لتعليماته التي تجعلها أكثر ابتعاداً عن الاختلاط والازدحام. لم تمر أيام إلا وبدأ بقصة جديدة، إذ بدأ يسألها عن راتبها وهل ستعطيه إياه ليضعه على راتبه ليصرف هو على البيت، وعن أملاك عائلتها ومدى الاستفادة منها وبدأ يخبرها عن مشاريعه وأحلامه التي يتمنى إنجازها بعد الزواج، ولم تفهم أن راتبها وأملاك أبيها أهم منها إلا عندما أبدت عدم موافقتها على تسليمه راتبها وأنه لابد أن يعتمد على نفسه في الأمور الصغيرة وستساعده هي في الأمور الكبيرة، هكذا أخبرته لتشعره بالمسئولية، حتى لا يتكل عليها، لكنها في قرارة نفسها كانت تتمنى أن تعطي بيتها أكثر مما يفكر به خطيبها، كانت تحلم بأن تحيك كل أركانه بالورد، وتملأ كل فراغاته بالحب، وتصرف عليه كل ما تملك من أجل أن تصنع لنفسها وزوجها بيتاً تغمره السعادة، كانت تتخيل كل غرفة في المنزل بألوان جدرانها،وهوائها، ورخامها، وترسم عليها آمالها، وأحلامها، فتلك غرفة الزوجية، ستزرع في أركانها كل حدائق الحب ، وتلك غرفة استقبال الضيوف، ستزرع فيها كل التعاليم الدينية، والأعراف الجميلة التي تربت عليها، وتزيد عليها باقات من الألفة لتجعل بيتها محبوباً، وتلك غرفة الأولاد، التي ستجعل رسوماتها جذابة وجميلة ومثيرة، لتحبب أولادها في الجمال منذ أن تتفتح عيونهم على الدنيا. رسمت هيكلاً من الجمال في قلبها ومخيلتها، لتصنع بيتاً مملوءاً بالأمل، وصمت هو موافقاً على رأيها وسارت الأمور على هذا الاتفاق إلى قبيل الزواج بأيام،وبعد أن تم الاستعداد له من قبل الأهل والأحبة، وبدأ الجميع يغني فرحاً لشابة دائماً ما تصنع الحب لكل المحيطين بها أتى ليخيرها بطلب إضافي لم يكن في الحسبان، أتي في لحظات ما قبل الزواج ليؤكد لها أن هناك فرق بينها وبينه ليقول لها بلسان الحال أنا لا أستحق تضحيتك، ولا أستطيع الارتقاء إلى أفكارك، وقبلها إلى قلبك، أتى ليؤكد لها أنه لا يتحمل الثقل المعنوي والعلمي الذي تحمله في رأسها، أتى ليقول لها إن لم تعطيني راتبك فاتركي وظيفتك. في تلك اللحظة انتبهت أنها لم تكن ترتب بيتاً لأجل زوج يحبها،لم تكن تستعد بالأفراح والليالي الملاح من أجل قلب يشتاق إليها، ويهيم سعيداً بابتسامتها، لم تكن ترسم أحلاماً لزوج يحلم بها، تأكدت أنها لم تكن تعني له أكثر من راتب ووسيلة يصعد عليها لتحسين مستواه الاقتصادي، أما علمها وتفوقها فقد كان ينظر إليهما كشيء يمكن تدميره بسهولة من خلال زرع الشك بها وبتعاملها وتحجيمها...الخ لم تكن تعلم أن أحلامها التي رسمتها على لوحة الحب، وبدأت تشكل جزءاً منها على واقع الحياة، كانت ستهديها لرجل لا يريد إلا حفنة مال، حتى المال ما كانت لتفكر به لنفسها، ولكنها كانت تنوي أن تبني به بيتاً من السعادة لهما معاً، كانت تنوي مفاجئته بما تفكر بعد الزواج، لكن القدر كان لطيفاً بها، فكشف لها نيته، قبل أن تعطيه كل شيء، ولا تأخذ منه إلا الألم. قد تكون القصة مكررة في مجتمعنا كأي قصة زواج انتهت في صالة العرس والعروس مرتدية ثوب زفافها، لكن الفرق بين كل هذه القصص أن الاختلافات التي نسمع عنها هي بسبب الاختلاف في أمور مالية يفرضها أهل العروس على العريس لكن الأمر يكون مختلفاً عندما تنعكس الأسباب. انتهى الأمر في الأخير إلى رفض الفتاة للعريس كونها وجدت أنها حاولت أن تقتدي بأمها أم المؤمنين خديجة عليها السلم ولكنها لم تجد في عريسها ذلك الشاب الذي يحب أن يقتدي بأخلاق الرسول عليه السلام قولاً وعملاً، بل وجد من تقاليد العصر الحاضر المتحضر قولاً بلا عمل ما يناسبه، وجدت فيه الرجل الذي يريد أن يمتلك المرأة وكل ما تملك، ولو كان فكر بالمرأة بحب لأمتلكها فعلاً بكل ما تملك، ولكنه فكر فيها بأنانية فخسر كل شيء. أما أنا فأتساءل ما الأسباب التي تجعل الرجل يشعر بأن المرأة قد تتعالى عليه إذا كانت تفوقه بالعلم والمال، وجملة أخرى أوجهها لهؤلاء الرجال إن كانت المرأة تنظر إليك على أنك دونها ولا تحترمك فلن تقبل بك زوجاً أبد، وهذه طبيعة النساء في كل مكان وزمان فلم تحطم أيها الرجل تمثال المرأة التي تبادر إلى نسف العادات والتقاليد الثقيلة عليك وتتمسك بتعاليم دينها؟ أم أن هذا التعامل من قبل الشابات اللواتي يعملن على تيسير أمر الزواج يعد مؤشراً مهماً لصحة العادات والتقاليد التي تتمسك بغلاء المهور وفرض طلبات كثيرة على العريس ليشعر بقيمة من يتزوجها؟ إن كان هذا التفكير هو السائد في مجتمعنا وتمسكنا به وتركنا الاقتداء برسول الله وصحابته وتابعيه فعلى الدنيا السلام.