فجأة تصبح الصداقات عداوات وتصبح المتشابهات أضداداً ويحول بين الشيء والشيء استحالة الإمكان والتمكين.. صديق يقتل صديقه جهراً أو سراً علانية أو غدراً.. وصديق يصبح بين عشية وضحاها عدواً لدوداً.. وآخر يقود عمداً صاحبه لحبل المشنقة ، صداقات تحمل اسماً على غير مسمى.. وصفه على غير استحقاق الموصوف بها فعلاً وقولاً.. فلماذا يفشل هؤلاء الشباب في اختيار الأصدقاء؟! وهل العيب في أبنائنا أم في تلك العلاقات التي تشوبها المصالح؟! أم أن هذا الزمن لايشبه ماضيه من سلسلة تمر أمام أعيننا لتطوينا دون أن نشعر؟!.. في الحقيقة ينبغي أن تكون لدينا أهداف موجهة بشكل مستقيم لتصل بنا إلى مانريد فعلاً خاصة فيما يتعلق بسلوكيات أبنائنا الشباب لأنهم باختصار خلاصة تجاربنا في الحياة! إن ترك حرية الاختيار للأصدقاء قد تكون فطرية طبيعية في ظاهرها لكنها في الحقيقة يجب أن تكون موجهة من قبل الأبوين وذات أساس أخلاقي كبير حيث ينبغي أن ينتبه الآباء والأمهات إلى ضرورة التعرف على أصدقاء أبنائهم بل ويتعايشوا معهم وحتى يضعوهم تحت مجهر الرقابة الأبوية العليا التي تستطيع تمييز الخبيث من الطيب و الصالح من الطالح من الأصدقاء وكأسس ينبغي توفرها في أصدقاء أبنائنا: ينبغي التشديد على أخلاقيات الأصدقاء وتجنب أصحاب الشطط والتعصب ممن يكون من السهل على أبنائنا الانسياق خلفهم خاصة في سن المراهقة. - المعرفة الكاملة باتجاهات الأصدقاء وميولهم ومحاولة فهم نوعية علاقاتهم بالأبناء والحرص الشديد على أن يكونوا صالحين دينياً ودنيوياً. - إنشاء علاقات مع أصدقاء الأبناء توفر الكثير مما يمكن أن يحدث في الخفاء دون أن نعلم وتبقي أبناءنا في أمان من أي مكروه. - التركيز على أن يكون هؤلاء الأصدقاء من نفس الفئة العمرية لأبنائنا إذ لامبرر لبناء علاقات مع أشخاص يكبرونهم سناً ويتجاوزونهم خبرة إذ يتسبب ذلك في إكتساب خبرات سيئة وإقصاء لخبرة الفرد الذاتية. حبذا لو كان أصدقاء أبنائنا من أطفال وشباب العائلة ذاتها وإن كان من الطبيعي حدوث صداقات خارجية تساهم في بناء الشخصية المستقلة لهؤلاء الأبناء - الرفض التام للصداقات التي تنشأ مع أفراد ليسوا من نفس الحقل الذي ينتمي إليه الأبناء ، مثلاً لا تقوم صداقة بين طالب إعدادية أو ثانوية مع شباب يعملون في مهن حُرة متعددة إذ من السهل تسريب الأبناء من مدارسهم إذا توفر المال لدى أقرانهم. وبالمقابل نجد أن الكثير من الصداقات تدوم طويلاً ولا تشوبها تلك المعارك العدوانية التي تحدث بين بعض الأقران والسبب في تلك الديمومة أنها ذات أساس قوي من الأخلاق العالية التي يكون أبرزها الخوف من الله ونهي كل فرد للآخر عن المنكر الذي يؤدي إلى غضب الخالق. أضف إلى ذلك الانتماء للدائرة المعرفية أو المهنية أو الاجتماعية الواحدة ولا نهمل أهمية ارتباط الأسرة بالأصدقاء فهذا الارتباط يمثل صمام أمان لتلك الصداقات القائمة بين الأبناء. لا يبتعد الأبناء بعيداً عن رعاية ذويهم وخوفهم على مستقبلهم الأخلاقي والديني والاجتماعي ، إذ تتسبب بعض الصداقات بانحراف الأبناء ومن ثم حصولهم على سمة شخصية مرفوضة اجتماعياً وربما دينياً وقانونياً. إذاً فنحن بصدد العودة إلى قاعدة دينية هامة أساسها حديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:" مثلُ الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير.." صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث الشريف لا يدع مجالاً للريبة حول أهمية اختيار الجليس الصالح أو الصديق في لغة العصر الحاضر وإذاً فنحن لسنا عاجزين عن معرفة حامل المسك أو نافخ الكير بالنسبة لعلاقة أحدهما بأبنائنا منذ الصغر وحتى تنبت حول شفاههم بذرة الرجولة التي لا يتمنى أحدنا أن تكون زهراً على تلٍ من الرمل .. إن هؤلاء الأبناء هم المشروع الأول الذي يجب أن ننجح في جني ثماره بأيدينا دون أن يتدخل الآخرون في ذلك. إنه البنيان الذي نؤسسه بالثقة ونضع فيه خلاصة العمر بكل حب ليتوجنا غداً بالعرفان ورد الجميل.