•كأنما الساحة السياسية الوطنية اليوم خالية من الحكماء والعقلاء..! وكأنما قد أفرغها البعض من مضامينها وقيمها الفلسفية والاجتماعية، وأرادوها ملهاة بلا روح أو ضوابط الاستخدام الواعي للقوانين الموضوعية للصراع والحوار الحامل للتغيير..! •فالبلاد تحاصرها الأزمات، ولا عين تشوف، ولا قلب يحزن، ولا عقل تحفزه الفطنة..! •«المشترك» استفاق أخيراً من خدر المحاصصة وكل ما طالته وتطاله مخالبه لملء معدته ونسي معدة وأمعاء الجائعين الذين طالما طنطن وعزف على أوجاعهم ومعاناتهم، فصار اليوم من الشاكين الباكين لما لحق به من غبن..! •زعماء التكتل الوطني الديمقراطي بدأوا بمساعي المصالحة بين الفرقاء وانتهوا منهكين متشبثين - كالغريق - بأطراف جلباب «الحاكم»..! وبينهم ينفرد «البعض» مختزلاً الوطن والديمقراطية ومكتسبات الثورة والوحدة في بقاء لجنة الانتخابات من عدمها، وما يفتأ - هذا البعض- يشهر سلاحه للإجهاز على أي تقارب أو اتفاق بين «الحاكم والمشترك» حتى يبقي استحواذه على طاولة التهليب في هذه «اللجنة» على حساب عرابي «اتفاق فبراير» الذين ارتكبوا الخطيئة المميتة عندما أرادوا تفسير «الاتفاق» بمفهوم ديمقراطي من زمن «سارتر» و «اريك فروم»..! •وفي المربع شخصيات سياسية استعادت أنفاسها وقوة نبضها، وأصبحت تهدد وتتوعد (وتذرف الدموع) ولكن ماذا يفيد البكاء على «جثة» كانوا شركاء في ذبحها..؟!! •«زعماء» أقصد علماء الدين حالهم من حال السياسيين، في غيبوبة مما يجري حولهم.. لا تعوزهم الجرأة أو تنقصهم القناعة، والأرجح أنهم مفتونون بالجنس «الشرعي» في زواج القاصرات ينافحون ويزمَّرون معتبرينه مأثرة القرن ولا مأثرة تعلو عليه..! وفي مثل هذه الحالة ارتكست عقول، وضاع عقلاء..! •وكنا نتوقع من المعارضة تبني خطاب حول مبادئ لا يتنازع عليها أحد، ولكنهم أجمعوا على اللعب في مربع آخر، في انتظار أن تتغير المعادلة لجهة خيارات أخرى مجهولة العواقب. •إذن والجميع قد ترك الساحة خالية، لابد من شياطين تملأها.. وهنا (كذابين الزفة) لجان المهام «الصعبة» في المناطق الجنوبية الملتهبة - وهم من أبنائها - اختطفوا الفرصة ليلقوا بأثقال أمراضهم وأفكارهم الدغمائية على الأوضاع هناك. وما دامت الفرصة سانحة للانتقام من مناطق انسلخوا منها ولم يعد لهم قبول فيها، فإن رد الاعتبار لنفوس مضطربة مجروحة بمركب نقص، يمكن الآن بالدوس على رقاب البسطاء..! •بعد كل هذا.. أعود اسأل: هل نحن أمام مأزق حقيقي لمكونات وأحزاب وقيادات سياسية ووجاهات دينية واجتماعية، لم تفهم بعد مسؤولياتها الوطنية التاريخية..؟! أو لم تعِ -هذه- أن إنقاذ الأوطان يتطلب أكثر من لقاءات جانبية وخطابات وبيانات تلعلع بوعود وهمية من «مجالس ولقاءات تشاورية» مفصودة الهوية ومجهولة المرجعية..! •من العار هذا الاستهتار.. وعلى الجميع الانخراط دون تلكؤ في مواجهة التحديات، والعمل على احتواء ذيول الصراعات الملتهبة بين الفرقاء..