طوال فترة امتحانات الشهادتين الأساسية والثانوية ظلت تقارير لجنة الامتحانات وتصريحات مسئولي وزارة التربية والتعليم تطالعنا يومياً عن المخالفات والتجاوزات وحالات الغش بصورة شبه يومية, وللأسف الشديد كانت محافظة تعز بحسب تلك التقارير في الصدارة وبنسب تتراوح بين 46 إلى 50 بالمائة، مما يعني أنها استأثرت بنصيب الأسد، وبما يعادل نصف المخالفات على مستوى الجمهورية، وهو ما يعكس حالة غير طبيعية وظاهرة محزنة بالنسبة لمحافظة كانت على الدوام في الصدارة على مستوى التفوق وحصد نسبة أعلى في لوائح الشرف لأوائل الجمهورية وفي جودة مخرجات التعليم التي استطاعت بجدارة أن تثبت نفسها في مختلف المجالات وتسجل حضوراً لافتاً ومشهوداً سواء في الوظائف العامة أو في القطاع الخاص. كانت تعز تفاخر دوماً بأن أبناءها طلاب تفوق وأن رأس مالها هو الثروة البشرية التي تصدرها إلى كافة محافظات الجمهورية ليشكلوا عماد التنمية والبناء والنهوض , ومن غير المقبول أن تصبح تعز نموذجاً كبيرًا للمخالفات الامتحانية وحالات الغش التي تعكس تدهوراً وسقوطاً للعملية التعليمية. فمنذ قيام الثورة اليمنية وإشراقة الجمهورية شكلت محافظة تعز عنواناً للتنوير ومنارة للعلم والثقافة والفكر والفن والأدب والمعارف المختلفة, ونموذجاً يحتذى في عملية التحول نحو التحديث والمجتمع المدني قياساً بواقع مناطق كثيرة. وعندما يتحدث الناس عن تعز باعتبارها الحاضنة منذ ستينيات القرن الماضي للتفاعلات الفكرية والإيديولوجية المختلفة سواء كانت قومية أو يسارية أو إسلامية أو علمانية فإنما يعود ذلك لكونها امتلكت قاعدة تعليمية راسخة ومتينة بالمقارنة بغيرها. والمشكل الحقيقي هو أن الحياة السياسية والحزبية التي استفادت من ازدهار العملية التعليمية في تعز , بدلاً من أن تجعل التعليم خط أحمر وبمنأى عن أية صراعات وتجاذبات , كان الجميع ينجر إلى جعل الساحة التعليمية مسرحاً للتنافس والتصادم والتقاسم بحيث أن كل طرف سعى إلى أن يهيمن على المؤسسات التعليمية كبوابة للانتشار والاستقطاب وصبغ الكوادر والمخرجات التعليمية بصبغته الإيديولوجية ليثمر ذلك عن نتائج كارثية في ظل اعتماد معيار الحزبية كتأشيرة للحصول على وظيفة تربوية والانتساب إلى سلك التدريس والتربية والتعليم . طبعاً ليست تعز وحدها من تعاني من مشكلة تدهور العملية التعليمية أو من مأساة تجاذبات الحياة السياسية والحزبية على الساحة التعليمية فضلاً عن مظاهر الفساد والرشوة والمحسوبية وغياب المعايير التي أفضت إلى بطالة مقنعة داخل السلك التعليمي والتربوي ، بحيث أن هناك كماً كبيراً ممن هم محسوبون على كشوفات رواتب المعلمين ولهم وظائف أخرى أو أنهم مغتربون خارج الوطن ويحصلون على معاشاتهم بالتراضي مع من يغضون الطرف مقابل نسبة من هذا الراتب أو نسب من مجموع تلك الرواتب .. في حين أن هناك معلمين أكفاء لا يساوي الراتب بالنسبة لهم حالة الكفاف أو المعيشة المحترمة والكريمة التي تساعدهم على العطاء والإبداع وتكفيهم عن الحاجة أو التسرب إلى حالة اللامبالاة والبحث عن بدائل معيشية. من الظلم ألا يحصل المعلم الكفء على حقه الكامل في حياة كريمة تساعده على أن يتمثل سلوكاً وعملاً ما كنا نردده: «كاد المعلم أن يكون رسولا»، ومن الظلم أن يتساوى من أصبح معلماً بكفاءته ومن وجد نفسه معلماً لظروف سياسية أو تقاسمات انتهازية حزبية أو بهرمونات فساد ورشاوى ومحسوبية .. في كل بلدان الدنيا هناك فساد يؤثر على الحاضر, لكن أغلبية البلدان تجعل من التعليم خط أحمر لا يمكن لأحد تجاوزه أو المساس به؛ لأن حصول ذلك يعني مستقبلاً أسود، وأن على الدنيا السلام. [email protected]