احتفل العالم العربي والإسلامي مؤخراً بمئوية الأديب الكبير علي أحمد باكثير، الذي جسد بأدبه وفكره هموم الأمة وآمالها وتطلعاتها، فوقف موقف المدافع الغيور عن قضاياها المصيرية، ليس أولها دفاعه عن اللغة العربية، لغة القرآن الكريم ولا آخرها فضحه للصهيونية العالمية، وتحذيره المبكر من اليهود الغاصبين الذين أعجزوا إبليس الذي ضاق وتبرم من شركائه الإسرائيليين فعزم التوبة والرجوع إلى الله، كما قرر ذلك في إحدى مسرحياته. لكن من المعروف خصوصاً للباحثين والمتخصصين في الأدب العربي الحديث، أن باكثير ظلُم كثيراً في حياته، وفي مماته. ظلُم في حياته لآرائه ومبادئه السامية التي لم تعجب أصحاب القرار حينها، حتى يقال أن بعض مسرحياته منعت من العرض في دور المسرح في مصر في فترة من الفترات. وظلم هنا عندما حُجب أدبه كثيراً عن القراء من الأجيال المتعاقبة، ولم يعط مكانته الحقيقية كنجم لامع في سماء الأدب الحديث، الذي رضع من لبان الغربة والسفر كشأن اليمنيين الذين جابوا بإبداعهم مشارق الأرض ومغاربها، فمن جزر(اندونيسيا) حتى مسقط رأسه (حضرموت) مروراً بعدن وأرض الحجاز كانت رحلة ماتعة وفارقة في حياة باكثير حتى استقراره في مصر فأبدع أيما إبداع لتثمر رحلة حياة فيها من المعاناة مافيها ساخراً وناقداً وضعاً أليماً تمر به البلاد العربية من أرضه اليمن إلى سواحل الأطلسي، فسخر من الجهل والتخلف مستنهضاً الأمة للخروج والتخلص من ذلك، فكتب (همام في بلاد الأحقاف) وهو مازال في الحجاز، تابع بها شوقي المعجب به شاعراً ومسرحياً، فوظف هموم بلده القابع بين نيرين الاحتلال والإمامة الجاثمة عليه منذ قرون. فحياة الأديب باكثير وإبداعه غدت قصة لابد أن تعلم للأجيال فتعمم على كل المدارس في بلادنا، لمعرفة هذه الحياة عن كثب والغوص في سطورها لتكون نبراساً لخوض معترك الحياة بعنفوان وبطولة جسدها باكثير نفسه، وهو يتنقل بسحنته اليمنية المميزة في زحام العصر الجديد، كاتباً بأحرفٍ خالدة سطور بطل هو أقرب للأبطال التي خلدها في أعماله من مسرح وقصة وقصيدة مثل رائعته(واسلاماه) التي كانت تدرس يوماً ما ضمن المنهج التعليمي في بلادنا، ولطالما بكينا معها لبكاء ومأساة بطليها(قطز وجلنار) وانتشينا فرحاً لهزيمة الهمجية والجهل.. وغيرها من القصص الخالدات كالثائر الأحمر، وسيرة شجاع التي يجب أن تطبع طبعات تشجيعية وتوزع على مدارس الجمهورية، ناهيك عن الملاحم المسرحية الخالدة كالملحمة الرائعة عن الخليفة العادل عمر بن الخطاب التي صاغها بلغة حوارية شيقة وبأسلوب مسرحي جذاب مصوراً حياة شخصية من أعظم الشخصيات التي غيّرت مجرى التاريخ بالإضافة إلى الأعمال المسرحية الأخرى التي يجب الاهتمام بها من لدن المعنيين بالتعليم وتربية النشء في بلادنا الحبيبة.