أسس الفيلسوف الفرنسي (ديكارت) قاعدة ذهبية للتعامل مع الأفكار وأصحابها: يجب أن نرجع إلى ما كتب أصحابها. ليس ما كتب عنهم أو حولهم من شروحات وتفسيرات. يجب الحفر والنحت والمتابعة والدأب في النصوص الأصلية التي سطّرتها أيديهم. قد يكون هذا متعباً، ولكنه أفضل الطرق لمعرفة أفكار أصحابها الأصليين. كل ما كُتب عنهم لا يعني ما قالوه هم. وأعظم الافتراءات والتضليل لا يأتي من المبدع الأصلي بل مما كتب الناس حوله بسبب قاعدة أساسية عن الفوتوكوبي والنسخة الأصلية. كل فوتوكوبي لن يكون أصلياً بحال، والكوبي عن الكوبي يعني المزيد من الهشاشة وعدم الوضوح والانحراف عما أراده صاحبه الأصلي. يجب أن ندرّب أنفسنا على هذه القاعدة الذهبية. لا يعني هذا أن نلقي بما كتب الآخرون فقد يكون تبسيطياً سهلاً، كما أنه لا يتأتى لكل الناس مراجعة النصوص الأصلية، ولكنها قاعدة صارمة يجب أن ندرب أنفسنا عليها. يمكن أن نستأنس بما كتب الناس حول شخص أو كتاب، ولكن لا يزيد عن آرائهم المرتبطة بإحداثيات العصر وأفكاره المسيطرة السائدة، وهذه مشكلة عقلية ضخمة يجب الانتباه إليها وفلترتها أثناء معالجة أي بحث. وأفضل أنواع القراءات قراءة النص بلغته الأصلية بدون ترجمة. هذا ما حصل معي عند قراءتي لكتاب أفول الغرب (DER UNTERGANG DES ABENDLANDES ) للفيلسوف الألماني ( اوسفالد شبنجلر OSWALD SPENGLER) بلغته الأصلية بالألمانية، ففقراته ونصوصه تصل أحياناً إلى درجة التألق. أما المترجم باللغة العربية فمازلت أعاني منه حتى الآن. ويشعر المرء وهو يقلّب الصفحات أن هناك بعض الفقرات تلتمع بشكل مدهش أجبرتني على نقلها إلى دفتر مذكراتي الخاص ، كما في فقرة (تقرير المصير) ما يسموه بالألمانية ( SELBSTSTIMMUNG) وانحلال روما بعد معركة زاما (164 قبل الميلاد) فماتت كل من قرطاجة وروما بشكلين مختلفين . وبعض الفقرات باهتة لا تكاد تصدق أن صاحبها كتبها. وفي تقديري فلعل الأغلب أن المترجم لم يفهمها فنقلها حرفياً كما هي، هذا ما يحصل بمشكلة الترجمات الكمبيوترية في الوقت الراهن، مما يشكل استعصاءً عقلياً غير قابل للحل، وكل لغة لها نكهتها الخاصة وروحها الناظمة. وأنا انصح قرائي بالانتباه إلى المراجع التي أشير إليها، وأعظم فائدة حصلتها من المفكرالجزائري (مالك بن نبي) ليست فقط من كتبه أو اللقاء الشخصي به، بل مصادره الرائعة فهو فتح بصيرتنا على ثقافة جديدة، تحول يرقات النحل إلى ملكات مغذيات منتجات تلد آلاف البيوض يومياً.