كانت النمسا ولازالت إحدى الدول الأوروبية الراقية ديمقراطياً وسياحياً وصناعياً, ولم نسمع منذ أن ظهر مرض الإيدز في بداية الثمانينيات حتى أصبح منتشراً في كل الدول بما فيها الدول المماثلة للنمسا في المجال الصحي ولكن بنسب متفاوتة وأكثرها فداحة وخطورة الدول الأفريقية والدول الآسيوية الأشد تخلفاً وفقراً.. وربما لهذه المكانة للنمسا اختيرت عاصمتها مقراً للمؤتمر الدولي للإيدز الذي بدأ أعماله أمس الاثنين, سيبحث المؤتمرون عن وسائل تحد من انتشار الوباء في الدول الأفريقية التي وصل عدد المصابين فيها إلى الملايين منهم من مات ومنهم من ينتظر نفس المصير ولاخيار أمامهم لعدم استطاعتهم شراء العلاجات التي ماتزال وقائية وهي عديدة الأنواع, وكثير من الحكومات الأفريقية الأشد تضرراً بالإيدز عاجزة تماماً عن إنقاذ ربع عدد المهددين بالموت ويرقدون تحت الأشجار وفي الطرقات وفي بيوتهم البسيطة لاحول لهم ولاقوة.. قد يكون المشاركون في المؤتمر هذا يحملون معهم مايطمئن العالم من الاختراعات الجديدة ومن المساعدات التي وعدت بها حوالي عشرين دولة أفريقية وآسيوية مصنفة بالدرجة الأولى بالإصابة بالإيدز، وسبق لها أن ناشدت الدول المتقدمة والأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة الأغذية والزراعة سرعة مدها بالمساعدات الفعالة من الدواء والطعام ووسائل النقل لإيصال وجمع المرضى من مناطقهم النائية إلى المراكز والخيام التي تقام على عجل وقبل أن يمتد الوباء ليشمل كافة السكان ويتعذر إسعافهم بالمتطلبات الضرورية كالأغذية والمياه والأدوية الوقائية حتى تستطيع كل الجهات عمل شيء مما وعدت به.. لقد أصبح المصابون بالإيدز رجالاً ونساءً يتكلمون عنه وكأنه لامفر لأحد منه وأنهم لذلك يتزاوجون ويبتسمون للأيام الباقية من عمرهم ولايخشون على الأطفال الذين سينجبونهم فالعراء والجوع والوحوش في انتظارهم, والأمل في إنقاذهم سراباً بعد أن خذلتهم الوعود الكثيرة والحكومات العديدة بمدهم بأسباب البقاء لآجال قصيرة حتى يفتح الله على الأغنياء ويتجهون إليهم لأسباب إنسانية أولاً واقتصادية ثانياً لأن كل دولار ينفق سيصبح ملايين على المدى القصير والطويل وتتكدس المليارات كما كان الحال طيلة هذه المدة التي ذكرناها وستظهر شركات جديدة تدعي توصلها إلى علاجات ولقاحات جدية كالتي ظهرت عقب إعلان انفلونزا الطيور وانفلونزا الخنازير وماهي إلا فزاعات دفعت الحكومات لبذل مالديها من مدخرات احتياطية لشراء مايكفي لتطعيم كل أو معظم السكان وثبت أنها غير فعالة إن لم تكن بعضها قد ساعدت في انتشار الأوبئة ووفاة الآلاف في أنحاء العالم..