إن الأفكار الفلسفية القائمة على المنطق والحكمة التي قدمها الفلاسفة والحكماء في الفكر السياسي، كانت تبحث عن الحق والعدل والمساواة وتعزيز الفضيلة بين أفراد المجتمع ولم يكن منبع تلك الأفكار الشر والعدوانية، ولذلك سعى المفكرون الأوائل سواء في الفكر السياسي الروماني أو الأوروبي أو الاسلامي من أجل الوصول إلى المدينة الفاضلة أمثال أفلاطون والفارابي، وقدم الدارسون لهذه الأفكار تحليلات اتفقت جميعها على وجود المعاني الانسانية، وجعلوا الغاية النهائية لهم الوصول إلى المجتمع الانساني الفاضل. ولئن كان الفكر السياسي النابع من مصدر الفعل الانساني قد ولد هذه القناعة لدى دارسي الأفكار السياسية، فإن ذلك لايعني خلو الفكر السياسي الناتج عن فعل الانسان من النزعات التي فسرها الساعي إلى السلطة وفق هواه وبما يحقق رغباته ونزواته، فالغاية التي تبرر الوسيلة لدى ميكيافيلي شرعت لأصحاب الطموحات السياسية الذين استغلوا أفكار ميكيافيلي أبشع الاستغلال، وأصبح منهج الغاية تبرر الوسيلة منهجاً معتمداً لدى الجماعات المنحرفة فكرياً والخارجين عن النظم والقوانين وأصحاب الطموحات غير المشروعة، وجعلوا من هذا المنهج الخطر باباً للتغرير بالبسطاء من الناس ليدفعوهم إلى هاوية الانحراف الفكري ليصبحوا وسيلتهم لتنفيذ أهدافهم وغاياتهم غير المشروعة، وقد أثبتت الأحداث أن عناصر الإرهاب والتطرف وعناصر التمرد أصحاب المشاريع السياسية القائمة على العنصرية ومحاولة استيعاب الناس لايخرجون عن هذا المنهج العبثي، بل إن بعض الجماعات المنحرفة أعدت كوادر من أجل الوصول إلى إقناع المغرر بهم بأن غايتهم التي يلبسونها ثياب الطهر والنقاء تبرز وسائلهم الشيطانية، وهذه الغاية التي يستخدمون من أجلها كل الوسائل الإجرامية ليست الغاية المعلنة على الإطلاق وإنما يحاولون استخدام الدين والقضايا الوطنية للوصول إلى الغاية الفعلية، ويوهمون المغرر بهم بأن غايتهم هي تلك القضايا، وقد تمرس الكثيرون في إفراغ عقول العامة من الناس من القدرة على التمييز بين الغاية الفعلية لتلك الجماعات والوسيلة واستطاعوا أن يخلطوا بين الغايات والوسائل حتى اختلط الأمر على الناس البسطاء ولم يعودوا قادرين على التمييز. إن حالة الخلط الخطرة التي تمكنت الجماعات المنحرفة من الوصول إليها تعد من الخطر الماحق الذي يعزز قدرات أصحاب الفتن من التغرير ببسطاء الناس وجعلتهم قادرين على سوق أولئك المغفلين إلى هاوية الهلاك دون أن يفرطوا بأنفسهم بل إنهم لايظهرون في كثير من الجرائم، الأشد فتكاً بالبشر، ولذلك لايستهان بأصحاب الفكر المنحرف أياً كانوا ولابد من التوعية لتخليص الشباب منهم بإذن الله.