في تأمل حقيقة مايدور اليوم في الواقع اليمني يتضح أن الأحداث تحاول أن تفقدنا العلاقة بالماضي وتغلغل فينا الانسلاخ عن الجذور وترك الاستمساك بهويتنا الحضارية.. فهل نتناسى أننا شعب سلام آمنا بالرسالة وآزرنا النبوة, وكانت طلائعنا ولاتزال رسل محبة وتآلف, تحمل نصب أعينها إصلاح ذات البين والتقريب بين الفرقاء في مختلف مواطن الاحتقان من البلاد العربية؟! أمر خطير أن يصبح الأمر معكوساً, بظهور المخاوف المستمرة من تدهور فرص السلام في أرضنا بحيث نصغي جميعنا لصوت واحد هو”صوت الحرب” ما تلبث الجموع الوطنية أن تتنفس الصعداء وتطوي صفحة الحرب إلا وتقاطرت من جديد نُذر حرب أخرى.. في انتظار آثم لحرب سابعة.. حتى لنظن أن مرحلتنا هذه قد فرضت علينا خيار الحرب ولاشيء غيره. والأمر الأخطر أن تكون طبول الحرب في متناول البعض، يقرعها عبثاً وإثارة وعدم اكتراث. الدولة بموقف واضح وصائب تؤكد خيار السلام وتسعى من أجل ترسيخه في الحياة وتنميته في العقول, وتعمل بكل قدراتها على إحلال الأمن والاستقرار في مناطق التمرد في صعدة وحرف سفيان.. والذي لاشك فيه أن هذا الخيار يأتي ترجمة لإرادة الشعب وتطلعه إلى تنقية الأجواء من كل مظاهر الاقتتال والصراع المؤزم لمستويات الحياة من اقتصاد وأمن وسلامة مجتمعية واستقرار سياسي وغيره. ويبقى الشيء المهم أن تحترم جماعة الحوثية هذه الإرادة الوطنية, وأن تذعن لصوت العقل والحكمة وتعالج ما فيها من شبق الحرب. خير للمتمردين أن يتركوا الطيش والغرور, وأن يتجنبوا كل فعل يريدون به إثارة جحيم الحرب وأن يجيبوا داعي السلم, فوطننا لايستحق كل هذا العناد والتعالي والانصراف عما يقرره العقلاء ،دعاة السلام والأمن والاستقرار. والدولة باستئنافها العمل في إعادة الإعمار تثبت حرصها وسعيها نحو صناعة السلام والوقوف دون إراقة مزيد من الدماء، لكن إذا كانت جهود تعمير الأرض والحفاظ على سلامة أهلها تصطدم دائماً بمن يهدم المبنى ويقتل النفس ويقطع الطريق فإن رموز الهمجية التترية لابد أن تتحمل المسئولية أمام الوطن والتاريخ ودلائل الواقع المعيشي وستدفع الثمن باهظاً إن عاجلاً أو آجلاً؛ لأن قانون الحرب والسلام يجري وفق سنة الله في الكون فالذي يشعل الحرب ضد السلام مهما كان حجم تطلعاته وحساباته لن يكون له إلا أن يكتوي بنارها ويتقلب في سعيرها.. وعلى الباغي – دوماً – تدور الدوائر. أما المهوسون بسماع موسيقا طبول الحرب ينبغي لهم أن يتذكروا أن أعظم بيت وضع في الأرض تتلاشى قداسته عند الله يوم أن يراق دم امرئ مسلم بغير حق إذ يكون هدم بيت الله الحرام أهون عند الله من ذلك.. فكيف بأنهار الدماء وتراكم جثث القتلى في دار من ديار الاسلام دونما سبب إلا إشباع الهوى والاصغاء لصوت الشيطان وحسابات النفس الأمارة بالسوء؟! للمتمردين أن يرسموا طريقاً آخر لحياة محافظتهم ومديرياتهم وأبنائهم وإخوانهم وأموالهم، فالمواطنون هناك غير مستعدين لأن يهنأ العالم كله بالحياة وهم يصطلون بجحيم الحرب.. هذه الحرب التي تحاول أن تصنع من نفسها (عنقاء) جديدة.. فما تلبث أن تخبو إلا وعادت مستعرة من جديد.. وهي سجية الحرب وطبيعتها التي لايتنبه لقذارتها وخداعها إلا أهل المروءة.