احتشاد وتأهب وتربص من أجل “إصلاح البلد” وإذا الأمر يبدو غير إصلاح البلد؛ وإنما هي أطماع ومصالح شخصية، تدفعها أنانية على درجة من التهور. قرأت في التراث الصوفي الإسلامي قول أحدهم يحذّر من أهل الدعوى والمضللين الذين يبتدعون «المخاريق» وألوان الرياضيات الروحية، لكسب ثقة العامة: «لو رأيتم إنساناً يطير في الهواء، غير متّبع كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم فلاً تصدّقوه!!». هذا الكلام بمناسبة الذين يقاتلون في سبيل الشهوات، تاركين كتاب الله وراء ظهورهم، غافلين عن القدوة الكريمة في الجهاد وإطراح حطام الدنيا. في الحديث الشريف إنكار على المرء يبلغ الستين ولم يتب عن اقتراف السيئات، كما أن القرآن الكريم ينكر خُلق الرياء وبعده من صفات النفاق. والريا هو الشرك الأصغر، لأن الإنسان يدّعي الصلاح والفلاح ويتزيّأ بزي النسك والتقوى، ثم هو لا صالح ولا ناسك ولا زاهد. إن من الصفات القبيحة أن يظهر الإنسان بمظهر الدين، ثم إذا اختبرت أخلاقه وأفعاله وجدته من عباد الدنيا الذين يعبدون الله على حرف؛ فإن أصابه خير اطمأن به؛ وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه، خسر الدنيا والآخرة. رأيتهم يندبون ضياع الإسلام واستشراء الفساد، فلما نالوا حظاً من الدنيا نسوا الآخرة، وتهافتوا على الدنيا تهافت الذباب على الأقذار!!. نحتاج جميعنا إلى القدوة، وقد رأينا أهل الدنيا يتباهون بالدنيا، أموالاً وعقارات وبنوكاً وتجارات، فمنهم من عرف ما هو حق الله فأعطاه؛ ومنهم من غرّته الحياة الدنيا وغرّه بالله الغرور. هؤلاء عرفهم الناس، لكن مابال أقوام يتظاهرون بالإيمان والصلاح؛ وقلوبهم معلقة بزخرف الحياة الدنيا؟!. رأيتهم يندبون حظوظهم العاثرة، ويتمنون أن يصيروا بديلاً عن هذا الفساد، رأيتهم يلهثون وراء مصالحهم على حساب اليوم الآخر.