جاء في تعريف الفاصلة القرآنية أن الفواصل حروف متشاكلة في المقاطع توجب حسن إفهام المعاني، وقال ابن منظور: الفواصل أواخر الآيات في كتاب الله، وكذا قال الزركشي: الفاصلة كلمة آخر الآية كقافية الشعر وقرينة السجع، ويرى آخرون أن الفاصلة أعم، فهي الكلام المنفصل مما بعده. والكلام المنفصل قد يكون رأس آية وغير رأس آية وكذلك الفواصل يَكُنَّ رؤوس آي وغيرها. فكل رأس آية فاصلة ولا عكس..ولقد نزه العلماء القرن أن يكون به سجع فيقول الرماني ( وبني عليه الفواصل بلاغة والسجع عيب) لأنهم قالوا السجع هو الذي يقصد في نفسه ثم يحيل المعنى عليه والفواصل التي تتبع المعاني ولا تكون مقصودة في نفسها وذكر الزمخشري في كشافه القديم أنه لا تحسن المحافظة على الفواصل لمجردها إلا مع بقاء المعاني على سدادها على النهج الذي يقتضيه حسن النظم والتئامه كما لا يحسن تخير الألفاظ المونقة في السمع السلسة على اللسان إلا مع مجيئها منقادة للمعاني الصحيحة المنتظمة فأما أن تهمل المعاني ويهتم بتحسين اللفظ وحده غير منظور فيه إلى مؤاده على بال فليس من البلاغة في فتيل أو نقير فالقرآن الكريم لا يعنى بالفاصلة على حساب المعنى بل يراعي السياق ومقتضى الحال وعلى هذا فعبارة مراعاة الفاصلة أو رؤوس الآيات التي نجدها في كتب التفسير أو كتب علوم القرآن لا اقول خاطئة لكن فيها ضعف في تفسير الآية أو شرح متشابه، وكان الأجدر من المفسر أو المتأمل أن يبحث عن علة بلاغية أقوى ليبرر هذه الفاصلة أو تلك.فيلاحظ أن الفاصلة تأتي مكملة للمعنى الذي قبلها ومناسبة له بحيث لو تغيرت اختل المعنى... يدرك هذا كل من عنده ذوق أدبي. فقد حَكَى الأصمعي قال: ((كنت أقرأ: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءَ بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ والله غفور رحيم وبجنبي أعرابي فقال: كلام من هذا ؟ فقلت: كلام الله. قال أعد فأعدت. فقال ليس هذا كلام الله. فانتبهت فقرأت {وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} فقال: أصبت هذا كلام الله. فقلت أتقرأ القرآن. قال: لا. فقلت: من أين علمت ؟ فقال: يا هذا عز فحكم فقطع، ولو غفر فرحم لما قطع)). وقد يسأل سائل ما الحكمة في أن بعض الفواصل غريبة اللفظ مثل كلمة ضيزى في قوله تعالى(تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى( النجم 22)، فكلمة ضيزى بمعنى جائرة أو ظالمة، فلماذا عدل عن الكلمات المألوفة إلى الكلمة غير المألوفة. والجواب على هذا السؤال من وجهين: الأول: من جهة حسن النظم والتناسق فإن سورة النجم تنتهي فواصلها بالألف المقصورة فناسب أن تكون الفاصلة كلمة ضيزى لا كلمة جائرة أو ظالمة. الثاني: إن نسبة البنات إلى الله ونسبة الأولاد إليهم أمر في أشد الغرابة فناسب أن يعبر عنه بلفظ غريب تنبيهاً على غرابة القسمة. وقد تختلف الفاصلتان في موضعين والمُحَدَّث عنه واحد وذلك لنكتة لطيفة. ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوهَآ إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ( إبراهيم 34)، وقوله تعالى: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَآ إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ(النحل 18) ففي الآية الأولى يقول الحق جل وعلا للإِنسان إذا حصلت النعم الكثيرة فأنت آخذها وأنا معطيها فحصل لك عند أخذها وصفان: كونك ظلوماً وكونك كفاراً. وفي الآية الثانية يقول الحق سبحانه للإِنسان ولي عند إعطاء النعمة لك وصفان وهما أني: غفور رحيم، أُقابِل ظُلْمَك بغفراني وكفرك برحمتي. ثم سؤال آخر يطرحه المرء هنا: ما الحكمة في تخصيص آية النحل بوصف المنعم، وآية إبراهيم بوصف المنعم عليه ؟ والجواب أن سياق الآية في سورة إبراهيم في وصف الإِنسان وما جبل عليه. فناسب ذكر ذلك عقب أوصافه. وأما آية النحل فسيقت في وصف الله تعالى وإثبات ألوهيته وتحقيق صفاته، فناسب ذكر وصفه سبحانه.