التطورات الميدانية القتالية في الصومال الذي لا يضم ما يسمى "جمهورية أرض الصومال" والتي تُعرف أيضاً باسم "بونت لاند" تنذر بتفتيت هذه البلاد الغارقة في الفتنة لأكثر من عشرين عاماً.. فقد كان لموت الرئيس الصومالي محمد سياد بري في بداية التسعينيات عواقب وخيمة أطلّت بقرونها دفعة واحدة من قبلية وسياسية وعرقية، فتفرق الجمع، وذهب كل فريق أبعد مما كان ينادي به من مزايا سمّاها "حقوقاً مدنية واجتماعية" وضاعت فرصة الاحتفاظ بإقليم «أوجادين» الذي كان الرئيس السابق قد استعاده بالقوة من أثيوبيا التي لم تسكت طويلاً فشنّت وبدعم خارجي هجوماً عنيفاً وقوياً أخرج القوات الصومالية واستفردت بجبهة التحرير التي أعادت تنظيم صفوفها وقامت بعدة عمليات للتذكير بأنها مازالت موجودة, إلا أنها أبرمت مؤخراً اتفاقاً للسلام مع أديس أبابا وكأنها دولة مستقلة عن الصومال الأكبر. الآن يتقاتل الصوماليون في العاصمة وضواحيها, وكانت أحدث الاشتباكات تلك المتمثلة في مهاجمة أحد الفنادق وقتل عدد كبير من البرلمانيين ورجال الحكومة التي يرأسها شيخ شريف أحمد، وإعلان شباب المجاهدين أنهم في المراحل الأخيرة للسيطرة على البلاد كلها رغم أن رئيس الجمهورية أعلن قبل فترة قبوله ببعض مطالب شباب المجاهدين برئاسة حسن طاهر أويس القادم من اريتريا قبل سنة ونصف لخوض المعركة ضد المحتلين الكفرة القادمين من أوغنداوأثيوبيا وكينيا وبعض الدول الأفريقية المنضوية في الاتحاد الأفريقي. إذاً فقد استطاعت "القاعدة" وجماعات أخرى متحدة ومتعاونة معها تتلقى ما تريد من الأسلحة والأموال عبر الساحل الطويل جداً, ومن شأن استيلاء هذا التنظيم الموحد - إذا جاز التعبير - أن يدشّن لتطورات جديدة جداً خطيرة ليس في الصومال وإنما في الدول المجاورة, من عربية وأفريقية. إن حكومة الصومال الحالية لم تتمكن من بناء القوات المسلحة كماً ونوعاً إلى الآن؛ لأنها ببساطة لم تتلق الدعم الذي وعدت به لاسيما من الولاياتالمتحدة والدول الغربية، وبالعكس استطاع شباب المجاهدين والحزب الإسلامي إدارة الحرب وإن تخللتها عمليات كرٍ وفر؛ إلا أنها اتسمت بالمبادأة والجرأة وشلت في بعض الأحيان قوات الاتحاد الأفريقي التي أقرّتها منظمة الوحدة الأفريقية لحفظ السلام بعد مقتل محمد عيديد وابنه الذي جاء من البحرية الأمريكية ليخلفه في قيادة العمليات ضد الحكومات الصومالية المتعاقبة منذ الانقلاب عام 90م. ولعله من اللافت الهدوء في ردود فعل الدول الكبرى والدول الأفريقية المجاورة لما شهدته مقديشو قبل أيام من معارك طاحنة ومقتل شخصيات برلمانية ومسؤولة كبيرة وأثره الإيجابي على معنويات شباب المجاهدين؛ والسلبي بل المروّع على المواطنين الصوماليين العالقين بين نيران المتحاربين وبحثهم المضني عن ملاذٍ آمنٍ ولو موقتاً حتى يغادروا إلى المجهول سواء داخل بلادهم أم خارجها. فماذا يدور في رؤوس أساطنة السياسة العالمية وأصحاب المصالح الكبرى التي لن تسلم من الأذى إذا سيطر المتعصبون الموسومون ب«الإرهابيين» دولياً على أحد أهم الخطوط الملاحية التي تتحكم بالتجارة العالمية منذ عدة عقود ذهاباً وإياباً؛ وقد رأينا كيف أن عمليات القرصنة الصومالية أثّرت على حركة السفن والناقلات، وأدّت إلى رفع فواتير التأمين التي بدورها أضافت ما تخسره في الحراسة والإجراءات الأمنية على المستهلكين والحكومات المستوردة أو المصدّرة للسلع بجميع أنواعها..؟!. إن هذا السؤال له ما يبرره وبإلحاح في الوقت الحاضر والذي يمكن الإشارة فيه إلى تنامي الأعمال الإرهابية التي يتبناها تنظيم القاعدة وتهديد شباب المجاهدين قبل بضعة أشهر بدعمهم كإخوة مجاهدين حسب زعمهم, فكل من الصومال واليمن يمتلكان سواحل طويلة توجد بها ثغرات وفرص للإرهابيين في التنقل ونقل الأسلحة والتدريب!!.