(2) قد يلوح تساؤل عن وظيفة الشخصية في القصة القرآنية ؟ والجواب: تعمل الشخصية– أياً كانت- في القرآن على تقديم الأنموذج المجسد للخير أو الشر بأوضح صورة فتتحرك الشخصية مع أحداث القصة الموضوعة فيها فتتفاعل وتنمو وتتجسد كشكل مرئي أمام المتلقي لا مجرد خبر يسمعه عنها ونلاحظ تركيز القرآن عليها مادامت في بؤرة الأحداث فإذا خرجت منها انتهى ذكرها في ذلك الموضع , والأعجب من ذلك أن القرآن يعلل سلوك تلك الشخصيات في تفاعلها مع أحداث الصراع فلا تصرّف بدون تعليل والهدف من ذلك الإقناع بالحدث والاقتناع به ويشهد لذلك قصة هابيل وقابيل حيث علل القرآن سبب قتل قابيل لهابيل فقال: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (المائدة30) ومن ذلك أيضاً قتل موسى عليه السلام للقبطي فقال: (فوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (القصص15) وحتى في قصة إبليس مع آدم عليه السلام علل القرآن سبب عدم سجود إبليس لآدم عليه السلام فقال: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (الاعراف12) وذكر هذا التعليل بألفاظ مشابهة مراعاة للسورة التي فيها ذلك المقطع . وتهتم القصة القرآنية بالبعد الشكلي للشخصية إذا كان الهدف من القصة هو التأثير بالشخصية نفسها لا بالحدث الذي وضعت فيه ولعل في شخصيات الأنبياء عليهم السلام أكبر دليل على ذلك فكان التعليق على أخلاقهم وأسلوب تعاملهم مع أقوامهم والاهتمام بالبعد الشكلي يشمل حتى الصالحين من شخصيات القصص القرآني غير الأنبياء مثل العبد الصالح مع موسى عليه السلام أو لقمان مع ابنه وغيرهم.. أما التنوع في ذكر أسماء النبي الواحد ليلائم السياق الذي ذكر فيه الاسم ومن ذلك سيدنا عيسى عليه السلام فقد ذكر باسم عيسى مرة والمسيح مرة وابن مريم مرة في القرآن الكريم فلماذا؟ يجيب الدكتور السامرائي قائلاً : اسم المسيح: يدخل فيه المسيح و المسيح عيسى بن مريم و المسيح بن مريم (لقبه) وعيسى: يدخل فيه: عيسى بن مريم وعيسى (اسمه) أما ابن مريم (كُنيته) فحيث ما ورد المسيح في كل السور سواء وحده أم المسيح عيسى بن مريم أم المسيح بن مريم لم يكن في سياق ذكر الرسالة وإيتاء البينات أبداً ولم ترد في التكليف وإنما تأتي في مقام الثناء أو تصحيح العقيدة , قال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) المائدة) وكذلك ابن مريم لم تأتِ مطلقاً بالتكليف (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50) المؤمنون) أما (عيسى) في كل أشكالها فهذا لفظ عام يأتي للتكليف والنداء والثناء فهو عام (وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) المائدة) (ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مريم) ولا نجد في القرآن كله آتيناه البينات إلا مع لفظ (عيسى) (وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) الزخرف) ولم يأت أبداً مع ابن مريم ولا المسيح، إذن فالتكليف يأتي بلفظ عيسى أو الثناء أيضاً فكلمة عيسى عامة أما المسيح ليس اسماً ولكنه لقب وعيسى اسم وابن مريم كنيته واللقب في العربية يأتي للمدح أو الذم والمسيح معناها المبارك.