مثلما الزمن ركن أساسي في القصة فالمكان كذلك لاكتمال الصورة وإن كان يغلب اسم (الحيز) بدلاً من المكان- باعتبار أن تماهي المكان التقليدي في القصة الحديثة – فإن الحيز هو المسرح الذي تجري فيه الأحداث ويتحرك عليه أشخاص القصة وتعمل أدوات اللغة من خلال تكثيفها على عرض ووصف هذا الحيز أو المكان ، وينقسم الحيز إلى نوعين هما: 1 - الحيز الجغرافي: هو المسرح المقيد بالحدود الجغرافية بربطه باسم تلك المنطقة بعينها مما يعطي بعداً تاريخياً أيضاً يجعل الكاتب لا يستطيع أن يتجاوز ذلك بل هو مقيد بالعادات والتقاليد والظلال والظروف التي تحتمها جغرافية المكان وتاريخيته على الأشخاص والأحداث ضمن تلك المنطقة لكنها في الوقت نفسه تعطي للمتلقي واقعية شديدة عن أبطال القصة وأحداثها في القصة ولعل في بعض روايات نجيب محفوظ أكبر دليل مثل ( زقاق المدق) و( خان الخليلي) وغيرها.. 2 - الحيز الخلفي أو المفتوح : هو المكان أو الحيز غير المحصور بحدود جغرافية بل واسع المدلول بحيث تقوم اللغة من خلال مفرداتها بعرضه وتصويره بعبارات وألفاظ عامة كالطريق والجبل والبيت ....الخ ونلاحظ هنا تماهي هذا المكان أو الحيز فكأنه ديكور هلامي لمسرح متحرك في كل موقف وهذا يعطي للشخصيات الحرية في التحرك دون قيود من حيز المكان ولا التاريخ ولا شيء اللهم إشارات وإيحاءات اللغة وحدها وصراع الأحداث المتنامية... والسؤال أين موقع المكان أو الحيز في القصة القرآنية ؟ الغالب على القصص القرآنية هو إبهام المكان فلم يذكر اسم المكان إلا إذا كانت هناك حاجة له ويخدم هدف القصة الذي هو هدف السورة المتواجد فيها ذلك المقطع من القصة ، ويجب أن نشير إلى ملاحظة هامة هي أن القصة القرآنية ليس هدفها سرد التاريخ والحدث التاريخي على هيئته بل توظف ذلك الحدث التاريخي فيما يخدم هدف الدعوة لذلك أرى أن البحث الطائل الذي عقده مفسرونا العظام - رحمهم الله جميعاً – حول أين مكان كهف فتية أهل الكهف أو سفينة نوح أو غيرها – والله اعلم- انه لا يخدم القصة القرآنية ولا القران ولا المتلقي في شيء بقدر ما يصرفه عن المطلوب من القصة القرآنية ( العظة والعبرة) ولو كان اسم المكان أو الشخصية أو أي شيء آخر مهما لأورده القرآن كما أورد بعضا من ذلك.. اسم المكان في القصة القرآنية على نوعين مكان خلفي مفتوح مبهم ( كالقرية / المدينة/ .. الخ) ( وهو الغالب ) وآخر مخصوص جغرافيا مثل ( مدين / مصر ( الغير منونة)/ الجودي....الخ). حيث يلعب الاسم المبهم في إضفاء العمومية على الحدث ففي قوله تعالى (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (النحل 112) رغم أن المفسرين مجموعون على أن القرية التي نزلت فيها هذه الآية هي مكة إلا أن الحكم فيه ينطبق على كل قرية تكفر بأنعم ربها سواء كانت مكة أو غيرها فهي تدخل في عموم اللفظ لا خصوص السبب ولم ترتبط باسم مكة بذاتها ، إلى جانب أن عبارة (ضرب الله مثلاً) تجعلها في عموميتها بما نعرف من عمومية المثل لا خصوصيته سواء ُذكر اسم مكة أو أبهم . ومثل ذلك أصحاب القرية في سورة يس والأماكن في قصة العبد الصالح مع موسى(عليه السلام) في سورة الكهف (القرية /الجدار/ السفينة...الخ) وهنا سؤال لماذا في قصة العبد الصالح مع موسى(عليه السلام) قال القران (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (الكهف 77) هنا ( قرية) ولما وضّح قال(وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ (الكهف82) قال هنا (المدينة) ؟ ما الفرق بين القرية والمدينة هنا ؟ هذا ما سنعرفه في حديث قادم ؟