نبدأ بالإجابة عن سؤالنا السابق الفرق بين (القرية) و(المدينة) في قصة العبد الصالح مع موسى(عليه السلام) والغلامين صاحبي الجدار؟ في اللغة: إذا اتّسعت القرية تُسمى مدينة ، والقرية قد تكون صغيرة وقد تكون كبيرة ، لّما أستطعم كلاً من موسى(عليه السلام) والعبد الصالح أهل القرية فأبوا ضيافتهما فكأنهما جالا فيها كلها حتى بلغا أقصاها وهنا بداية المدينة حيث الجدار الذي تركه الأب الصالح للغلامين اليتيمين بعيد عن متناول أهل القرية اللئام ، ومشابه له في سورة يس وردت الكلمتان (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ (13) و (وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ( 20) أي أن الرسل جدّوا في التبليغ حتى وصل التبليغ إلى أبعد نقطة فيها وهي بداية المدينة فجاء قوله تعالى: (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) أي أن هذا الرجل جاء يحمل همّ الدعوة والتبليغ التي وصلته وقد أفاد لفظة (يسعى) هذا الاتساع للقرية والله أعلم.. وسؤال آخر حول لفظة (مصر) في القرآن هل هي دولة مصر اليوم أم مصر التي من الأمصار أي الأقاليم ؟ يقول الإمام الشعراوي – رحمه الله تعالى – (نلاحظ أن «مصر» حينما يقصد بها وادي النيل لا تأتي أبداً منونة و اقرأ قوله تعالى: ( تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً( يونس- 87) وقوله جل جلاله (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأنهار تَجْرِي مِن تحتي (الزخرف- 51) وقوله سبحانه: (وَقَالَ الذي اشتراه مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ (يوسف- 21 ) وقوله تبارك وتعالى: ( ادخلوا مِصْرَ إِن شَآءَ الله آمِنِينَ ( يوسف- 99). كلمة مصر ذكرت في الآيات الأربع السابقة بغير تنوين.. ولكن في الآية التي نحن بصددها ( اهبطوا مِصْراً ( البقرة- 61) بالتنوين، هل مصر هذه هي مصر الواردة في الآيات المشار إليها؟ . . نقول لا . . لأن الشيء الممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث إذا كان لبقعة أو مكان مرة تلحظ أنه بقعة فيبقى مؤنثاً ومرة تلحظ أنه مكان فيكون مذكراً فإن كان بقعةً فهو علم ممنوع من الصرف.. وإن كان مكاناً تكون فيه علمية وليس فيه تأنيث ومرة تكون هناك علمية وأهمية ولكن الله صرفها، في القرآن الكريم كلمات نوح ولوط وشعيب ومحمد وهود ، كل هذه الأسماء كان مفروضاً أن تمنع من الصرف ولكنها صرفت فقيل في القرآن الكريم نوحاً ولوطاً و شعيباً ومحمداً وهوداً.. إذن فهل من الممكن أن تكون «مصر» التي جاءت في قوله تعالى: (اهبطوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ) هي مصر التي عاشوا فيها وسط حكم فرعون من الممكن أن يكون المعنى أي مصر من الأمصار، وكلمة مصر تطلق على كل مكان له مفتي وأمير وقاض وهي مأخوذة من الاقتطاع لأنه مكان يقطع امتداد الأرض الخلاء ويخلص الشعراوي إلى أن ( الثابت في القرآن الكريم أن «مصر» التي لم تنون هي علم على مصر التي نعيش فيها، أما مصراً التي خضعت للتنوين فهي تعني كل وادٍ فيه زرع.. وهذا كله يصب في الأماكن ذات الطبيعة الجغرافية مما يؤيد أن القرآن لم يذكر الأماكن بأسمائها لندور في تفسيراتنا حول تساؤلات تخرجنا عن قصد وهدف القرآن الكريم وهو العظة والعبرة والدور الذي يلعبه هذا الاسم في القصة وليس البحث عن جغرافية التاريخ فنلاحظ في قصة موسى (عليه السلام) في اغلب مقاطعها ذكراً صريحاً لمنطقة (مدين) التي فر إليها كما قوله (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (القصص22-23) و قوله تعالى (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (طه40) فلماذا هذا التصريح؟ هذا ما سنعرفه في حديث قادم؟