بالرغم من الفارق الزمني الكبير بين مرئيات افلاطون وابن خلدون إلا أن الهاجس المشترك الذي حركهما كان يكمن في محاولة توصيف المراتبية الاجتماعية القائمة والصادرة أساساً عن مراتبية اقتصادية تكّرّست عطفاً على النظام الأبوي التاريخي، وكان هاجس المُفكرين الكبيرين أن يقدما مثالاً لمستقبل ألفي رشيد، مع فوارق جوهرية لا بأس من الاشارة إليها، فالنموذج الافلاطوني الإغريقي كان صادراً عن الفكر المجرد، وربما استيهامات الرجل الرائية لتكريس المراتبية القائمة بوصفها مراتبية تعكس فضيلة تنظيم المجتمع، فالحكم للأمراء، والنصيحة للحكماء، والحرب للجُند ، والانتاج المادي لبقية الفئات التي يتموْضع العبيد في أدنى سلمها الاجتماعي . المراتبية الافلاطونية كانت تعبيراً أيضاً عن مراتبية دلالية في أُفق الاقتصاد والاجتماع ، بل والمكانة النبيلة للفئات العليا، قياساً بالمكانة الدونية للفئات الدُنيا. نظام افلاطون ظلّ مُكرساً تاريخياً حتى تخوم الرأسمالية الأكثر وحشية والتي أجازت استخدام الزنوج كعبيد يشتغلون في المساحات الشاسعة للأرض المنهوبة من سكانها الاصليين «الهنود الحمر»، ووزعت الرأسمالية المجتمع إلى طبقات اجتماعية عطفاً على مدى استئثارها بالقيم المادية، مع تصويغ ضمني للموروث السلبي القادم من تواريخ المتاهات والاستباحات . من يُسمّون بالليبراليين التاريخيين في الديمقراطيات الأوروبية هي ذاتها التي أجادت الاستعمارات عبر برلماناتها المُسيّجة بما أسموه «الشرعية الانتخابية»، وهي ذاتها التي تجيز تعميم الحروب الظالمة في أربع أرجاء المعمورة تحت مُسمى الديمقراطية وحقوق الانسان. وتصل الملهاة ذروتها الكوموتراجيدية عندما يتم جرجرة منظمات الاممالمتحدة إلى ذات المربع «للشرعية الدولية» المقاسة على تفاصيل الأهداف والمآرب الخاصة للمتعجرفين الكبار. ابن خلدون لم يكن إرادوياً في رؤيته المراتبية للمجتمع، بل كان وصّافاً لحقائق موضوعية، دون أن يتخلّى عن دوره في كشف عيوب هذه المراتبية، فقد كان يرى أن مُنتجي القيم المادية من الفلاحين أهم للمجتمع من النخب السياسية التي تستأثر بالمنّ والسلوى على حساب فقراء الريف والحضر، وكان يرى في التركيب القائم تعبيراً عن التسلط العصبوي القائم على فلسفة العنف والاستقواء، وليس تعبيراً عن سويّة بشرية . مراجعة رؤية ابن خلدون لتوصيف المراتبية المجتمعية «العرب اسلامية» تستحق الدرس والمراجعة.