أخذت الجدة تقلب في حقائب حفيداتها، وهي تعجب أشد العجب في أن تجد هذا الكم الهائل من المقتنيات، التي لم يكن لوجودها أثر في أيامها ثم هي تعلق على ذلك قائلة: ياله من زمن هذا الذي نرى فيه المرأة لاتشبع أبداً من شراء المقتنيات التي لاتنتفع بها هي ولا غيرها من أفراد أسرتها، لقد صارت مسألة التسوق تعطي دلالة واضحة أن المرأة العصرية قد أصابها مرض خطير اسمه “فيروس الشراء” فهي تنزل إلى الأسواق، ليس لأنها في حاجة للسلعة “الفلانية” للاستفادة منها في شأنها الخاص أو في شئون أمور منزلها، وإنما هي تنزل الأسواق على سبيل الفضول والفرجة أو التنزه، ثم هي تجد نفسها منبهرة بالسلع المعروضة، فإذا بالكثيرات من أولئك المتسوقات يقررن أنهن بحاجة إلى كل سلعة معروضة، فإذا ماتم لهن شراء تلك السلع رجعنا إلى بيوتهن فرحات مبتهجات ومفتتنات بذوقهن في حسن الاختيار ومعجبات بقدرتهن على بخس البائع وتنزيل قيمة السلعة إلى أدنى قيمة، يكتشفن بعد فوات الأوان أن السلعة لم تكن بالجودة المتوقعة، وأنها من بلاد غير البلاد التي صنعت فيها، لكن ماهو أهم من ذلك تكتشف الواحدة منهن أنها ليست بحاجة إلى تلك السلعة، فماذا تفعل بها؟ فهي تملك في منزلها مثلها وربما أجود منها، ولكنها مع الأسف قد أعماها الطمع في “الحيازة” في أن ترى أنها قد اشترت مثلها وربما أفضل منها في التسوق الأول والتسوق الذي قبله والذي قبله، ولكنها لم تتذكر ذلك، لأنها تشتري السلع المعروضة، ليس لأنها تحتاجها في شئون منزلها، وإنما هي تشتري مايعجبها ومايلفت نظرها ليس إلا. قالت لها ابنتها الكبرى التي تعمل في حقل التربية والتعليم :المرأة يا أمي هي المرأة في كل زمان ومكان، والذي تغير في هذا الزمان هو ازدحام المحلات والأسواق بأنواع السلع من كل بلاد الدنيا ماعدا بلادنا، فإننا لانجد لها “بصمة” في ميادين التصنيع. الدنيا كلها تتسابق في إنتاج السلع، ونحن هنا نتسابق في الشراء والاستحواذ.. إن شهية المرأة في بلادنا يا أمي في ميدان حيازة الأشياء أو السلع المعروضة أمامها في الفترينات والأرفف والأرصفة شهية عارمة لاتقف عند حد، تشبه شهية ذلك العليل أو السقيم، الذي يشتهي الصنف من الطعام، فإذا ما أحضر أمامه عافه وزهد فيه ومع ذلك فهو لايتوقف عن الاشتهاء. إن بعض النساء يا أمي مصابات بمرض فيروسي اسمه مرض الرغبة في حيازة الأشياء كلما وقع نظرهن عليها فإذا ماحزنها، فتر حماسهن وزهدن فيها، ومع ذلك تستمر شهيتهن للشراء، لا يختلفن كثيراً عن أولئك المصابين بمرض “الجرب” أو مرض الحساسية التي تجعل الإنسان في رغبة مستديمة لهرش الجسم أو حكه بصورة مستمرة ليطفئ نار الحكة، لكنه لايطفئها، بل يزيد الحال سوءاً، نجد ذلك واضحاً في السيل المتدفق من النساء خصوصاً أيام الأعياد والمناسبات فحيثما يمم الإنسان نظره يجد الزحام حول الملبوسات، حول أدوات الزينة، حول لعب الأطفال، حول متعلقات الشعر و الرأس، قسم العطورات تجده لايخلو من الزحام لشراء كل ماتقع عليه العين قد يكون “طيباً” وقد يكون “طيناً” قد يكون من العود الأصلي وقد يكون من “عود الكبريت” أو من مشتقات البترول أو من “سليط النارجيل” صارت العطورات اليوم في متناول الأغنياء والفقراء على حد سواء، يدفع بها أثمان باهظة. وربما صار وعاء العطر أغلى من العطر نفسه. وبالرغم من أن النساء “المتسوقات” أو نقول معظمهن يشعرن بالقهر والندم على النقد المالي الذي طار من حقائبهن، ومن جيوب أزواجهن المغلوبين على أمرهم، خصوصاً أيام الأعياد إلا أن فيروس الرغبة في الشراء لايفارقهن أبداً أبداً يقول بعضهن: كنا نظن أننا قد اصطحبنا عقولنا معنا في كل مرة ننزل بها الأسواق، فإذا بنا نكتشف أن عقولنا لم تكن معنا في كثير من الأحيان!! نكتشف أن البائع هو الشاطر دائماً بحيث استطاع أن يزين الأشياء على غير مانراها الآن في بيوتنا.. فأين يذهب كل ذلك البريق واللمعان للسلعة التي جعلنا البائع نعتقد أنه ليس لها مثيل في عالم السلع المستوردة. أما بائعو السمك الذين يبيعوننا سمكاً له جلد تمساح وصلابة “حرباية” أو الجزار الذي يبيعنا كيلو اللحم فلا نجد في بيوتنا سوى العظم والشحم مغلفة بغشاء رقيق من اللحم لايساوي ربع القيمة المدفوعة للجزار، فإن لنا معهم وقفة أخرى في الأيام القادمة.