تعرّفت على الفنان محمد خوجلي، المنصرف لرسم الكاريكاتير منذ سنوات خلت، واطّلعتُ على مجموعة بانورامية من أعماله، ولاحظتُ ميله الفطري إلى التؤدة والتواضع السوداني الأثير، وها آنذا أجد نفسي مرة أُخرى أمام نتاجه الفني الذي نشره تباعاً في العديد من الصحف السودانية والإماراتية لأقف على عتبات نصوصه البصرية الرائية، ولأتوقف أمام خصائصها الفنية والدلالية التي تسمح لنا بتوصيفها إجرائياً ضمن إطار فن الكاريكاتير المتصل حتماً بالخطوط المُنسابة، والتعبيرية النابعة من المبالغة الفنية الحميدة، والروح النقدية المواكبة لما يجري على الأرض. في هذا الإصدار نسافر مع الفنان، لنرقب عن كثب متوالية عطائه المغروس في أساس وتضاعيف الكاريكاتير، ولنحاول تميُّز معالم طريقه الخاص، وسنرى ما يلي تباعاً: جُملته البصرية التشكيلية تتسم بقدر واضح من البساطة الموحية، ولا تتجشم عناء «المُحسنات البديعية» التي تكون عادة على حساب الهدف الذي يراه الفنان. يفيض الخوجلي بدواخله بطريقة سهلة، وبصدقية تعبيرية دونها المباشرة الموحية، سلسلة من أعماله تعتمد فكرة الثنائيات «قبل وبعد انتظار، ومفاجأة .. إلخ» في نوع من البحث عن المُفارقة المدعومة بفن «الكونتراست» أو «التضاد» ذلك الفن الذي نجد رجع صداه في كامل القيم الفنية والأدبية. ظلال الثقافة الشعبية السودانية تنعكس في تضاعيف رسوماته المعبرة عن كوموتراجيديا الحياة «التمساح، الجمل إلخ» هذا الانعكاس للكائنات الحية يُرينا ضمناً بُعداً مفاهيمياً يخُصها، مما يساعد الفنان على تقريب وجهة نظره لقراء ومشاهدي الكاريكاتير، وحافظ الخوجلي إلى حد كبير عن «أسلوبيته» من خلال خصائص شخوصه وانتظامها في قالب موحد لا يأتي احتساباً على التنوع في المواضيع، بل يعززها، ويمكننا ملاحظة حسن استخدام فراغ الصفحة في كثرة كاثرة من أعماله، ومن هنا نلاحظ أن احتشاد النصوص البصرية أقل من احتشاد النصوص الكتابية.. والتركيز البؤري على الشخوص أقرب إلى النظرة بعدسات منفرجة «ماكرو» وهو أمر يخدم بعض الأعمال. الظِلال في تجربة الفنان ذات طابع متحرك، فإما أن تكون خلفيات شاملة الدكونة، وإما أن تكون مُتدرجة، وأحياناً في حالة تضاد بصري مع بياض الصفحة، مما يمنح كل رسم خاصيته التعبيرية، ثم نأتي على تجربة الأعمال المائية، لنلاحظ الموسيقى البصرية النابعة من تماهي الأصفر والأخضر والأزرق، بإمعان يذكّرنا بالهارموني «التناغم» المستمد من الطبيعة السودانية، والمغروس في لا وعي الفنان، تلك الطبيعة ذات المروج الخضراء الواسعة، والنمنمات الصفراء الخارجة من رحم الجمال والجلال، والسماء الصافية الموشاة بالسحب الناصعة. مقطع القول هذا الإصدار الذي يضم في طيّاته مجموعة واسعة من تجارب ونتاجات الفنان محمد خوجلي تشكّل إضافة نوعية إلى فن الكاريكاتير السوداني ذي الطابع المميز، السودان الثقافي الذي يتجاوز الثنائية المفاهيمية للغابة والصحراء ليؤكد التنوّع في كل وجهة، ولتكون الغابة أنساقاً متعددة، والصحراء آفاقاً متجددة. [email protected]