مع التجارب الحياتية والإصرار على الفعل الإنساني تسقط الذرائع وتتّضح الحقائق، ومع الشفافية المطلقة لا تختفي أو تحتجب المعلومة التي تفيد المجتمع، ولذلك فإن الذين مارسوا الحياة بجدّ وعاشوا على قبول الحقيقة مهما كانت مُرّة فإنهم يدركون أن حبل الكذب قصير ولا يدوم على الإطلاق، ولا يستمر ويدوم إلا الصدق، والصدق حبله متين وقوي مهما كانت العقبات التي تواجه قول الصدق، وقد كثر في زماننا اليوم التمسك بزي الحقائق ومحاولة تشويه الحقيقة وطمس معالمها، باستخدام أساليب الخداع والكيد والمماحكة، خصوصاً في الحياة السياسية المعاصرة، القائمة على منهج التعدد وحرية الرأي والرأي الآخر، حيث تستغل هذه المناخات لممارسة الزيف، وهو ما لم يكن من أخلاق الأوفياء والأتقياء. ويظهر الأمر بين يديك مهولاً وخطيراً عندما ترى أناساً يعتقد المجتمع فيهم توخي الحقيقة وعدم المغالطة أو الزيف، وأن الصالح العام هو همّهم الوحيد، وعندما ترى الحقيقة بارزةً أمامك وأمام ذلك الإنسان الذي يرى فيه المجتمع الصلاح تفاجأ بقول غير ذلك، والتعصب لما يخدم الشيطان وأعوانه، وتصبح المصلحة الفئوية الضيقة هي المسيطرة والمتحكمة في سلوكيات من اعتقد المجتمع فيهم الصلاح وقول الحق وتوضيحه، وعدم الخروج على الأدب العام والإيمان بتحقيق المنافع العامة للمجتمع. كنت في إحدى الجلسات التي ساد فيها نقاش حاد يتعلق بالشأن الانتخابي، وكان الطرح موضوعياً ومسئولاً يتوخى تسخيص الموضع والوصول إلى النفع العام، وكان المشاركون في ذلك اللقاء والذي لم يكن مرتب له وإنما الصدفة أو المناسبة هي التي جمعت طيفاً سياسياً متنوعاً على قدر من المسئولية والأمانة، وشعرت من خلال ذلك الطرح بأن المتحدثين قد جعلوا مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات وطلّقوا التحيز والتعصب وشاركنا جميعاً في التشخيص وكدنا أن نجمع على أهمية الالتزام بالدستور والقانون، وفجأةً يتغيّر مسار النقاش وتظهر العصبية الجاهلية عندما طرح أحدهم قوله بأن الدستور لا يخدم مصالح حزبية ضيقة وكان الرد: لماذا نعتبر الدستور في اللحظة الراهنة هو سيد الموقف وإذا وجدنا بعض النواقص نطرح المقترحات للتعديل القادم، تصوروا أن الطرح الذي أصرّ عليه نفرٌ وتعصبت له فئة حزبية معينة، هو المطالبة بإلغاء الدستور وعدم العمل به.. أين قول الحقيقة ممن يزرعون الفتنة ويصرّون على مخالفة الإرادة الكلية؟! .. ذلك مثل بسيط فهل يدرك المكابرون بأن اليمن أكبر منهم .. نأمل ذلك بإذن الله.