الوطنية ليست صفة موروثة بل هي مكتسبة 100 %, وتلعب أمور كثيرة باستقرار الشعور بالوطنية في قلوب الناس ومن أهم تلك الأمور وجود المحيط المناسب الذي يدعم صورة الوطن المشرق ويظهر محاسنه ويبرز مميزاته بوضوح حتى ينشأ الصغار وقد أحبوا ذلك الوطن وجعلوا له في أنفسهم متكأً ومسكناً. والسؤال: من المسئول عن إبراز صورة الوطن بهذا الجمال؟!, وأين نذهب بتلك العيوب التي شوهت وجهه؟ وكيف نخفيها؟وهل يجب أن تبقى سراً عن أبنائنا وبناتنا لا يعلمه أحدٌ منهم؟!. إن إكبار الوطن وإعطاءه الحق اللائق به لا يقوم على أساس إظهار محاسنه وإخفاء مساوئه لأن علاقة الإنسان بالوطن علاقة مستديمة ليست طارئة, فتقبل احتمال التغيير ولا متقلبة فتتطلب عقد التثبيت. إنها هوية ووجود وانتماء وفطرة ذكية لا تقبل المهادنة, واعتزاز لا ينسف ركائزه ذلٌ أو حاجة. إن حبنا لوطننا لا يكتمل إلا إذا غذينا جذورنا باستمرار حبه بأن نجعله بيننا الكبير، ولا أعتقد أن من بيننا من يرضى أن تهتز أركان بيته، أو يقطنه بغيض نجس أو يقلق أمنه مستخف لا يبالي ولو زين لنا التاريخ حضارات آخرين وارتأينا أنها أكثر شموخاً بأفرادها وأكثر تقديراً لإنجازاتها فهذا لأننا لم نتمعّن بعد في تاريخنا نحن ولم نتفحص مواقف أجدادنا مع حضارة مجتمعاتهم ولم نعطِ لأنفسنا فرصة الاستمرار في البحث عن إرثٍ عريق وتراث عريض صنعه أولئك العظماء بإرادة جبارة لا تقبل الخضوع. ولأننا نعيش مرة واحدة في عمر الزمن فستكون حضارتنا هي ما نصنعه اليوم فهي العنوان الذي ستسطّر الأيام أسفل منه قصة حياة بشر كانوا هنا وسيذيل المجد بتوقيعه على آخر كلمات الزمن بالبقاء حتى بعد الموت. حين قرأت قصص الكثير من العظماء الذين ماتوا شباباً وقد صنعوا مجداً عريقاً يليق بملوك وعظماء خلدت أسماءهم كتب التاريخ اكتشفت أن لا فرق بين ملك ومواطن إلا بشيء واحد وهو الخلود بعد الموت ولهذا نقول دائماً أننا نحن من يصنع التاريخ وليس هو من يصنعنا. في مجتمعنا حقيقةً لا يتجلى معنى المواطنة بشكله الحقيقي والقوي الذي يفرض وجوده رغم وجود العابثين تحت أكثر من مسمى.إذا لم نحفظ السلام داخل أوطاننا فلن تعلمنا ذلك قوات حفظ السلام التي تعمل عمل الدواء الكيميائي في جسد المريض إذ قد تنجح في تسكين الألم مؤقتاً لكنها تسحق معالم الجسد الجميلة في طريقها ..البشرة..الشعر..الوزن..وفي النهاية لا تفلح تلك الأدوية في الوقوف أمام الموت.. إذا لم نساعد نحن في القضاء على الفساد ومعاقبة المفسدين فلن يحصل على جائزة نوبل إلا أشخاص معنيون بها ولن يكون لليمن ذكر في محافل العلم والأدب .. إذا أخفقنا في انتشال وطننا الحبيب من مستنقع الفتن فلن يجدي في ذلك قوات إغاثة عالمية. الوطنية في بلادنا على كف عفريت(مش أي عفريت) إذ هي على نوعين اثنين لا تتعداهما: حاملٌ أو محمول.. حامل لأوزار الدنيا وعنائها مشغول حتى عن قراءة تعابير واقعه أو وجهه على المرآة, أو محمول على كفة الظلم وهوى النفس والبطش بكل من حوله وهذا أيضاً شغلته نفسه عن قراءة مستقبل الأمة حوله لأنه لا يرى إلا نفسه. أن تكون وطنياً فيجب أن تثور ثائرتك عندما ترى أو تسمع باطلاً يمس كيان الوطن أو أحد سكان هذا الوطن وأن لا تتوارى خلف أطماعك وتتجاهل عناء الناس حولك وأن تدعم مشاريع الحكومة وتتقبلها وتحافظ عليها. الوطنية تقتضي أن تعلم أبناءك وبناتك السير على خطٍ مستقيم وهذا هو العكس مما يحدث اليوم إذ تجد الكثيرين والكثيرات من الآباء والأمهات لا يلقون بالاً لتربية الأبناء وتوعيتهم وإرشادهم للحق والصواب وتوضيح دورهم الفاعل في بناء الوطن إذا ساروا على نهج علمي جاد متفوق.. من منا يحوّل شعار (الله، الوطن، الثورة) إلى منهج وعقيدة؟! نعم ما من طالب إلا وهو يُحيي العلم كل يوم ويمجّد الوطن كل صباح لكن هل يعي هؤلاء تمام الوعي ما يحتاجه منهم هذا الوطن الذي تسجد له جباه كلماتهم كل يوم؟! لو أننا حولنا كلمة (الله) إلى أفعال ترضيه وجعلنا من كلمة(الوطن) مشاريع تحييه وشعرنا ب(الثورة) كنقطة تحول الوطن من ماضٍ يحطه إلى حاضر يعليه لكان حالنا الآن أفضل. لتكونوا وطنيين بما يكفي حتى تستحقوا أن تحمل هوياتكم تعريف الجنسية اليمنية.. افتحوا أعينكم صباح كل يوم على معنى الإحسان في كل شيء، مع أفراد عائلاتكم، مع موظفيكم ورؤسائكم في العمل، مع كل إنسان يسير على الرصيف ومن حقه أن تُصان كرامته ويشعر بذاته. اعقدوا ألسنتكم عن أعراض الآخرين بمعنى وبغير معنى, ولا تجعلوا الناس مادةً للحديث بينكم، أقيموا شعائركم الدينية بمنتهى اليقين ولا تتجبروا على ضعفاء الناس فكلنا ضعيف, من منّا قوي؟!..أحب قراءة القصص التي تحكي فناء الإمبراطوريات العظيمة حتى أستشعر أن كل شيء في الحياة يفنى والبقاء دائماً لله. الوطنية شعور بمسئولية التجديد والتغيير والتحديث والبحث عن الأفضل في كل مجالات الحياة. علينا أن لا نستمر في هراء البحث عن المثالية واتخاذ القدوات بل علينا أن نصنع المثالية بأيدينا ونكون نحن القدوة التي أثمرتها بذرة العمل والاجتهاد.. لا مفر دائماً من وجود الألغام هنا وهناك ولا محالة أن تصيبنا الأشواك لكن من يهتم بالتراب وهو يحلم بالثريا؟!..من هنا أبدؤوا بالبحث عن معنى الوطنية الحقيقية الذي يبعث في الروح أمل البقاء بسلام، ذلك الشعور الذي يدفعك لأن ترفع رأسك وأنت تسير أو تحبو وحتى تدب دبيب النمل بحثاً عن هويتك الحقيقية.. هيا حققوا المعنى العملي للثلاثية الرائعة ( الله ثم الوطن ثم الثورة) وابتهلوا طويلاً لأجل الوطن.