لايمكن إلا أن ندعو له بالرحمة فكل من اشتغل وعمل مزكى, ولكن شتان بين من كان همه النهوض بالأمة والحفر في نقض الفكر الديني برمته ؟ فلايستويان مثلاً, أذكر جيداً من جودت سعيد أنني سألته عنه, وقد اشتغل عليه سبع سنوات عجاف, قلت له بعد أن قرأنا كتابه الأول “في نقد الفكر العربي”, ماذا فهمت منه, وهل يستحق سبع أو ثماني سنوات بدل دراسة سبعين فيلسوفاً, وهو مافعلته أنا في هذه السنوات من الكدح المعرفي, وإذا كان الرجل مهماً إلى هذا الحد فاختصر لنا أطروحته بخمسين صفحة! فلم آخذ منه جواباً حتى اليوم أما أنا فاستفدت منه جملتين اللامفكر فيه والمستحيل التفكير فيه, أما جودت فوصفه بأنه يعالج ورماً في المنخر بدون تخدير وبالمنشار ؟ فهذا آركون رحمة الله عليه واقرأ آخر كتاب له في نقض الفكر الديني. أما مالك بن نبي فكان همه النهوض بالأمة وكان تقياً زكياً رحمه الله, ومن هذا النوع من المفكرين محمد إقبال ممن يعالج الانيميا الفكرية الحادة عندنا.. على كل حال هذا العام تساقط الكثير من المفكرين العرب, منهم الصالحون, ومنهم دون ذلك كانوا طرائق قدداً, وقد أفضوا إلى ربٍّ رحيم, فسائلهم عما فعلوا بين مثقف السلطة, ومثقف المؤسسة الدينية, ومثقف الحزب, ومثقف الفكر القومي وآخر من شكله أزواج. ليرحم الله الجميع وليرحمنا نحن أيضاً, «وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً». مات حسن الهويدي, وأبو عمار عدنان سعد الدين, وفتحي يكن من قيادات العمل السياسي الإسلامي، ومات حسين فضل الله ممثلاً للفكر الشيعي المعتدل الذي يعيش صحوة تاريخية هذه الأيام يدون صحوة، ومات غازي القصيبي بعد أن خدم في الدولة جلَّ عمره ونفع الناس بشعر وروايات أكثر من السياسة، ومات حامد نصر في أقصى الأرض فأهله يتهمون الجن باغتياله بفيروسات غريبة، ومات الجابري المغربي بعد أن نقده الطرابيشي فأوجعه كما كان الحوار بين الغزالي وابن رشد بين أقصى وأدنى الأرض، ومات أناس شتى بين ذلك سبيلاً مثل محمد عوض وشوقي أبو خليل، ومات أناس بسطاء مساكين لم تجلجل الصحافة بغبارهم, ماتوا بهدوء ورحمة مثل صديقي أبو توفيق في جدة بعد أن غادر بلاد البعث إلى يوم البعث.