الأسبوع الماضي وصلتني رسالة عتاب من أحد القراء قال فيها بأنني أمتلك وجهين في تناولاتي الصحفية, فما أكتبه في الصحف الرسمية يتنافى مع ما أكتبه في الصحف المحسوبة على المعارضة, وهذا كلام يخالف الواقع جملة وتفصيلاً لأن ما أكتبه سواء في الصحف الرسمية أو المعارضة يعبر عن قناعاتي التي لايمكن النقاش حولها والمسألة لاتهمني (سلطة أو معارضة) بقدر ما يهمني وطني الحبيب, كلنا نكتب وننتقد من أجل الوطن وهذه نعمة يجب علينا أن نحمد الله عليها, فما يهم البلاد والعباد وما يقود إلى وحدة الصف ولم الشمل وجمع الكلمة وإصلاح الأوضاع نسعى إلى التطرق إليه, وقد تختلف أساليب التعبير ومعها تختلف ردود أفعال القراء فكل قارىء له وجهة نظره وقناعاته وكل واحد يسعى للانتصار لقناعاته. والمشكلة أن هناك قناعة أو مايشبه الحكم المسبق بأن الصحف الحكومية لاتنتقد أو تتحدث عن هموم وقضايا المواطنين وهذه أطروحات غير صحيحة فهناك سقف جيد لحرية الرأي والرأي الآخر في الصحف الرسمية فعلى سبيل المثال صحيفة “الجمهورية” وأنا هنا لا أنافق أو أجامل وإنما أكتب الحقيقة, ففيها سقف الحرية عالٍ جداً , وتفسح المجال للنقد والطرح البنّاء الذي يلامس أوجه الخلل ومكامن القصور بتجرد بعيداً عن تصفية الحسابات الشخصية والمكايدات الحزبية والمصالح السياسية بحيث تتضمن هذه المقالات العديد من المعالجات والمقترحات التي من شأن الجهات ذات العلاقة في الحكومة الاستفادة منها .. وهناك تحقيقات قوية واستطلاعات وتناولات مهنية تتمتع بسقف واسع من الحرية وأذكر في ذات مرّة أنني كتبت أحد الموضوعات لإحدى الصحف الحزبية ولكنها رفضت نشره رغم أنه يتضمن نقداً بناءً للعديد من السلبيات والمظاهر غير الحضارية والأزمات التي نعيشها وعلى الفور أرسلته ل”الجمهورية” وثم نشره دون أي إعمال لمقص الرقيب, وقس على ذلك تناولات بقية الصحف الرسمية وعلى وجه التحديد التحقيقات اللاذعة والكتابات الرصينة لعدد من أعلام الإعلام اليمني ,ولاننسى أن هذه الصحف تظل رسمية ولديها خط ونهج تحريري يتماشى مع سياسة الدولة ورغم ذلك نلمس فيها جوانب إيجابية بسبب سياسة الانفتاح على الآخر والقبول بالرأي والرأي الآخر, في وقت نلاحظ غالبية الصحف الحزبية ترفض السماح بالكتابة فيها لغير انصارها لمجرد أن الكلام لايتماشى مع نهجها, فهي لاتريد إلا المقالات المليئة بالشتائم والسب والتجريح والاتهامات العشوائية في الوقت الذي تعتب فيه على الصحف الرسمية وتتهمها بعدم الحياد, ولا أعلم لماذا لايسدون هذه النصيحة لأنفسهم ويلزمون الحياد ويعترفون بالرأي والرأي الآخر, فلا يعقل أن كل ما في وطننا الحبيب سلبي ولايوجد أي جوانب إيجابية ,هناك للأسف تطرف إعلامي جاء نتيجة الاستخدام الخاطئ لحرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير. فعلى سبيل المثال تابع الجميع الحملة الإعلامية القوية التي أعقبت ارتفاع الدولار المخيف أمام العملة المحلية وقرأنا وشاهدنا وسمعنا الأطروحات التي صبت جم غضبها على أداء الحكومة وحمّلتها مسئولية هذا التراجع, وكلنا انتقدنا ذلك وطالبنا بضرورة التدخل المباشر للحكومة لمعالجة هذه القضية. مرت الأيام واجتمع الرئيس بالحكومة وحثها على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة تدهور قيمة العملة المحلية أمام الدولار ,وقد أثمرت هذه التوجيهات نتائج طيبة وتراجع سعر الدولار ليصل إلى 214 ريالاً , بعد أن كان قد تخطى حاجز 260 ريالاً ولكن هذا التراجع لم يحظَ ب1% من نسبة التغطية التي رافقت الارتفاع, ولا أعلم لماذا؟ رغم أن الارتفاع يؤلمنا ويؤثر علينا جميعاً سلطةً ومعارضةً ,والانخفاض والتراجع يفرحنا ويسعدنا جميعاً سلطةً ومعارضةً , وهذا تطرف وتشدد وتزمت إعلامي ينبغي على الصحف الحزبية الإقلاع عنه مراعاةً للمهنة الصحفية وخصوصاً أن البلاد تمر بظروف تستدعي أن نكون جميعاً على قلب رجل واحد لما فيه مصلحة اليمن. اليوم صارت الحاجة ملحّة وأكثر من أي وقت مضى لأن نترفّع عن الصغائر ونسمو فوق الترهات والخزعبلات والمناكفات السياسية والحزبية. اليوم أعداء اليمن يخططون لتمزيق البلاد وإشعال المزيد من الفتن والأزمات ,لانريد أن تتكرر في بلدنا مآسي الصومال والعراق .. نريد الاصطفاف الوطني لمواجهة المؤامرات التي تحاك ضد أمننا ووحدتنا واستقرارنا واقتصادنا .. أعداء الوطن باعوا ضمائرهم وعمدوا إلى الإساءة والإضرار بوطنهم الذي منحهم الحب وبادلوه بالحقد والكراهية , ومنحهم الاستقرار والأمن وبادلوه بإثارة القلاقل والفتن ,ومنحهم العزة والكرامة وبادلوه بالغدر والخيانة , الوطن الذي حمل لهم الخير وحملوا إليه الشر ,الوطن أكبر وأغلى من كل الأحزاب والمنظمات .. الوطن القلب الكبير والحضن الدافئ الذي يجمعنا, فإذا كانت السياسة والحزبية قد أسهمتا في تفريقنا بسبب توظيفنا لهما التوظيف الخاطئ فإن من الواجب علينا أن نتّحد من أجل اليمن ,وخصوصاً ونحن على أعتاب انطلاقة بطولة خليجي20, هذا الحدث الكروي الهام .. هذا الحدث الذي يعتبر نجاحه نجاحاً لكل اليمنيين وفشله فشلاً لكل اليمنيين , فلنعمل على إنجاحه وليتحد الجميع ولتذب تلكم الخلافات والتباينات ولتختفِ تلكم الأعمال الهوجاء التي يحاول أصحابها التأثير على الحالة الأمنية وإفشال استضافة بلادنا لهذه البطولة لأنه ما من مصلحة لأي شخص أو جهة أو حزب أو منظمة أو كيان يمني العمل ضد إنجاح بطولة خليجي20 ,ولنتعلم من ابناء الشعب الجنوب افريقي, الذين يختلفون في الأعراق والأجناس والرؤى والأفكار والتوجهات, نعم جنوب افريقيا هذه الدولة الأفريقية العريقة التي استضافت بطولة كأس العالم الماضية, الحدث الكروي الأكبر في العالم, وعلى الرغم من ارتفاع نسبة الجريمة في هذا البلد ووجود العديد من الحركات الانفصالية والمناهضة للحكومة وعصابات القتل والسلب وغيرها من السلبيات إلا أن الجميع اتفقوا على رفع اسم بلدهم عالياً ووقّعوا صلحاً مع أنفسهم مدته شهر كامل إلى حين إسدال الستار على بطولة كأس العالم ,ونتيجة لهذا الاصطفاف الوطني الجميل سارت منافسات البطولة دون أي مشاكل أو منغصات, ونحن ابناء شعب واحد تجمعنا رابطة الدين الإسلامي الحنيف وروابط الدم والانتماء إلا أن بعضنا للأسف مستعد لأن يضحي بالوطن ومكتسباته وأمنه واستقراره من أجل المصالح الشخصية والنفعية الضيقة, ألا نخجل من أنفسنا , نحن ابناء الإيمان والحكمة؟ فأين الإيمان من قلوب أولئك القتلة وقطاع الطرق وناهبي الممتلكات العامة والخاصة؟ وأين الحكمة في محاربة البعض لوطنهم وتآمرهم عليه وسعيهم الحثيث لإفشال أو التأثير على استضافة بلادنا لخليجي 20, وأين الحكمة في طغيان النظرة السلبية المطلقة على كل ماهو موجود في البلاد؟ لماذا صار البعض منا ينظر إلى قيامه بشراء إحدى الصحف الحكومية على أنها معصية تغضب الله ورسوله دون أي معرفة أو اطلاع على محتواها في الوقت الذي يحرصون على شراء صحف أخرى سواء كانت معارضة أو مستقلة ويعتبرون ذلك بمثابة الفرض العين!!. لا ألوم صاحب الرسالة لأن الثقافة السائدة اليوم تكرس إذكاء الاختلافات والتباينات على حساب الثقافة والقيم الوطنية وله أقول: بأننا نكتب من أجل الوطن وليس بخافٍ عنا ما يعيشه من أزمات والتي ليست بغائبة عن التناولات الصحفية ولا نبخل في إسداء النصح وطرح المقترحات التي تتناسب مع حدود فهمنا للقضايا ومحدودية تفكيرنا، وأقلامنا ليست مسيرة كما قلتَ, وإنما هي تعمل بحرية مطلقة من أجل الوطن الغالي الذي يرخص من أجل وحدته وأمنه واستقراره وتطوره وازدهاره كل شيء. [email protected]