كان الثلاثون من نوفمبر عام 67 آخر أيام وزارة المستعمرات البريطانية وانتكاسة مدوية للتاج الذي لم تغب الشمس عن امبراطوريته, حتى ظهر جيل جديد من الثوار في هذا الجزء من العالم غيّر خارطة النضال وتحدى الصعاب الجغرافية والمادية وتغلب على كل شيء, بل وقهره في سبيل طرد المحتل الذي جثم على أرضه مايقارب المائة والثلاثين عاماً.. هم البريطانيون أنفسهم الذين أطلقوا على ثوار 14 أكتوبر اسم الذئاب الحمر, وأحياناً الشياطين الحفاة العارية صدورهم النحيلة أجسادهم الكثة شعورهم, وهذه النعوت بمثابة الاعتراف بأن هؤلاء البشر تفوقوا على غيرهم من أبناء المستعمرات البريطانية في تغيير قواعد النضال بعنوان لامستحيل أمام من ينشد الحرية ويرفض أن يحكمه نظام له دين آخر ولون آخر, جاء من وراء البحار ومن فوق عدة جزر ومقاطعات أو إمارات تشكل المملكة المتحدة.. وفعلاً استطاع ثوار أكتوبر وبمؤازرة إخوانهم ثوار سبتمبر تدويخ الجنود والوجود البريطاني من أول طلقة في ردفان على يد الشهيد لبوزة في الرابع عشر من أكتوبر عام 63, فلم يكن البريطانيون يعرفون أن تلك الطلقة ستكون البداية لثورة عظيمة, وأن لديهم من الإمكانيات والأساليب مايسكت وابلات الرصاص, التي دوت تجاوباً لم ينقطع مع بندقية لبوزة حتى قرر البريطانيون الرحيل.. فقد جمعوا المعلومات وفشلوا في الإمساك بخاصرة الثورة, ولم يحصلوا من قتل الرموز أو اعتقالهم ولا من إسكات الشارع وتهديد المواطنين الأبرياء ومعاملتهم المعاملة السيئة, ولم يعلنوا أي البريطانيين قرارهم إلا بعد مضي وقت على اتخاذه في دهاليزهم بلندن وعدن, وتأكدوا أن هزيمة يونيو من نفس العام إنما أشعلت نار الغضب وقوّت عزيمة أبناء اليمن على الرد على الحرب العدوانية التي شنتها اسرائيل بدعم غير محدود من بريطانيا وأمريكا وفرنسا.. إن ثورة أكتوبر مثل ثورة سبتمبر ماهما إلا جواباً ليس فيه غموض على مؤامرة انفصال سوريا عن مصر واحتلال سيناء وقناة السويس والجولان السورية والضفة الغربية لنهر الأردن, التي كانت تديرها المملكة الأردنية, وهذا ماثبت ولأجله تأكد البريطانيون أن لا أمل لهم في البقاء في جنوباليمن وخاصة عدن التي كانت جوهرتهم الثمينة وغنيمتهم, التي لم يتوقعوا أنها ستعود لأهلها طال الزمن أم قصر, فكان ذلك الهروب البريطاني من عدن الذي لم يسبق له مثيل إلا هروب الأميركيين من فيتنام في منتصف السبعينيات..