تمر الذكريات والمناسبات في عصرنا هذا مرور الكرام إلا البعض منها كهذه المناسبة العزيزة إلى قلوبنا، مناسبة جلاء المحتل من أرض الوطن، أي الجزء الجنوبي من اليمن سابقاً.. فالمعارك التي خاضها الثوار خلال خمس سنوات ضد المحتل كانت من أشرس المعارك، وقد ذاق جنود الامبراطورية البريطانية قساوتها منذ اللحظة الأولى التي انطلقت فيها رصاصة الشهيد لبوزة في جبال ردفان يوم الرابع عشر من أكتوبر عام 63م. ولقد برهنت ملاحم معركة التحرير أن رجال الثورة كانوا ينتظرون الوقت الذي يجدون فيه من يساندهم والموقع الذي يبدأون فيه معركة شهد المؤرخون بأنها كانت شرسة بكل ما تعني الكلمة، مما يدل على تلاحم أبناء الوطن جنوباً وشمالاً واستبسالهم في دحر مستعمر حاول أن يبقى إلى الأبد في عدن وما كان يسمى "المحميات" لحراسة مصالحه وحماية تجارته والانتشار في مستعمراتها مثل "الهند" التي كانت لكبر مساحتها وعدد سكانها أكبر مستعمرة بريطانية بحيث أطلق عليها «الجوهرة». وأثبت اليمنيون الحفاة، النحيلة أجسامهم، القوية إرادتهم أنهم لا يخشون أية قوة، وهم فقط يريدون الحرية والاستقلال ومن ثم إعادة الوضع الطبيعي إلى ما كان عليه قبل مجيء الاحتلال إلى الجنوب وظهور الأسرة المالكة التي تفرعت إلى أسر؛ وحاول كل من يحلم بحكم اليمن السيطرة على أية منطقة ليتوسع منها في أنحاء اليمن ويعلن نفسه إماماً ويحكم بالحديد والنار والشعوذة. فالثلاثون من نوفمبر مثّل انتصاراً عظيماً ليس لليمنيين؛ وإنما للعرب الذين هالهم ما حلّ بثلاث دول عربية في عدوان عام 67م الذي سبق الجلاء البريطاني بعدة أشهر، فكان بمثابة الأمل في تكبيد الأعداء الخسائر التي لم يكونوا يتوقعونها معنوياً ومادياً، والجانب المعنوي هو الأهم؛ لأنهم اعتبروا ضرب جيش وطيران مصر في أيام معدودة، واحتلال سيناء وقناة السويس ومن ثم الجولان السورية والضفة الغربية ونهر الأردن الفلسطينية الأردنية، وسبق ذلك قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر كرد على مؤامرة الانفصال بين سوريا ومصر بسبب المؤامرات والحصار الذي ضُرب على جمال عبدالناصر وأشهره حصار التمويل لبناء السد العالي. وإنه لشعور عظيم يعزز ويؤكد افتخارنا بما أنجزه الثوار رغم قلة إمكانياتهم وشحة أسلحتهم وذخيرتهم، والسر يكمن في تضامن الجماهير معهم من رجال ونساء وشباب وعمال ومثقفين حولوا حياة المحتل إلى جحيم، فكانت صدمة البريطانيين أكبر من أن توصف لخروجهم من موقع استراتيجي تمكنوا من خلاله من بسط نفوذهم في أماكن أخرى في آسيا شرقها وجنوبها وغربها وكذلك بعض المناطق الأفريقية. فمرحباً بالثلاثين من نوفمبر في هذا الوقت الذي عادت فيه وحدة اليمن إلى ما كانت عليه، وسادت الديمقراطية بدل الشمولية والديكتاتورية، والحرية بدل الاستبداد، والأمن بدل الخوف. وندعو الله أن ينزل على أرواح الشهداء شآبيب رحمته.. آمين.