فاجأ رئيس الوزراء الأثيوبي “ميليس زيناوي” العالم بتصريحاته الحادة ضد مصر، والتي أطلقها قبل أيام، وتضمّنت تلك التصريحات اتهاماً صريحاً لمصر بأنها تقف مع بعض فصائل المعارضة للنظام الأثيوبي ممن أسماهم زيناوي “المتمردين”. وقد توقف المراقب السياسي أمام تلك التصريحات بنوع من الاستغراب المقرون بالدهشة، ذلك أن أثيوبيا السياسية المُجيّرة على نظام ميليس زيناوي لم يُعهد عنها مثل هذا الخطاب الحاد، بل العكس تماماً، فالاشتغال الأثيوبي على الملفات الإقليمية الساخنة كالملفين السوداني والصومالي اتسم دوماً بالتؤدة والرصانة، وإن كان الأمر مختلفاً مع الملف الاريتري الذي عكس ويعكس خلافاً مريراً بين أسمرة وأديس. وبالمقابل لم يُعهد في أجندة مصر العلنية والخفية على مدى سنوات الدبلوماسية المصرية التي تلت العهد الساداتي, لم يُعهد في هذه الأجندة تبنياً صريحاً أو مغلفاً لمعارضات داخلية في العمقين العربي والإفريقي، بل إن الدبلوماسية المصرية تماهت دوماً وبنعومة بالغة مع مرئيات الإدارات الأمريكية المتعاقبة في النظر إلى دول العمقين العربي والأفريقي، حتى إنها عكست روحاً سياسة غامضة فسّرها البعض بالتخلّي الطوعي عن دور مصر الكبير في العمقين العربي والأفريقي، بما في ذلك الدور المُبادر في المسائل المرتبطة بشرق أفريقيا. ولهذا السبب لم تكن اتهامات ميليس زيناوي لمصر مقنعةً، وهذا ما تأكد من خلال رد الفعل المصري الذي بدا هادئاً وقوراً حد الاحتياط، حيث أعرب المتحدث باسم الخارجية المصرية عن اندهاشه من اتهامات رئيس الوزراء الأثيوبي، مُشيراً في ذات الوقت إلى أن مصر تتبنّى الحوار في أي موضوع يخص علاقات البلدين. لكن هذه التصريحات لا تحل المشكلة ولا تضعنا أمام الحقيقة التي سنقرأها تباعاً.