تولي الدول النامية المناطق المحاذية للسواحل وأطراف المدن أهمية كبرى في تشجيرها بصورة جماعية، يشترك فيها المسؤول والجندي والطالب والمواطن؛ وذلك حماية لها من زحف الرمال، وتأسيس بيئة صالحة للزراعة في المستقبل، بعد أن تكون التربة الخصبة قد حلّت محل الرمال المتحركة.. وفيما هم يزرعون أشجاراً اختارها خبراؤهم الزراعيون، وأجروا عليها اختبارات لعدة سنوات، وجاءوا بها من مناطق بعيدة ذات مناخات تختلف عن بيئتها الجديدة، وحرصوا على رعايتها من البداية بالماء والمبيدات المحظور على المزارعين استخدامها في هذا المجال والمزروعات الأخرى إلا بمعرفتهم وإشرافهم لكي لا يخطئون في المقادير فيقضي على الأشجار الوافدة والأصيلة.. فإننا هنا لم نجد من الاهتمام بالأحزمة الخضراء كالذي كان قد بوشر فيه في بداية السبعينيات من القرن الماضي من المخا حتى باب المندب جنوباً، ومنها إلى الخوخة شمالاً ما يثبته وجودها في الواقع على الإطلاق, بل لقد ماتت وانتهت بنقل بعض المسؤولين في هذه المحافظة إلى محافظات أخرى، وكأن مواصلة التشجير في تلك المواقع وفي الشوارع داخل المدن ليس من مسؤولية خلفائهم الجدد.. وإن كان المسؤولون الذين خلفوهم قد عملوا لفترة وجيزة على إكمال مسافات قصيرة بأشجار الكافور والطنب والجوافة, ولم يبق منها على قيد الحياة إلا تلك التي زرعت في أطراف الحقول الزراعية بفضل الفلاحين أصحاب تلك الحقول من منظور مصلحي، وهذا لا يمنع أمثالهم من الاستفادة من ثمارها كالجوافة ومن أخشاب الكافور.. والعكس الذي يعنيه العنوان هو التوجه شبه الكامل نحو زراعة القات ومضغ القات على كل المستويات العمرية والاجتماعية والثقافية، وانحدر الشباب من الجنسين في ورطة مضغ القات لساعات طويلة على حساب العمل، وفي بعض الحالات على حساب الصلاة والجمع بين صلاتي الظهر والعصر والمغرب والعشاء من أجل(الخذّة) أي الراحة، وتكاد مساحة القات تغطي نصف الأراضي الزراعية أو ثلث المساحة لليمن كلها خاصة في المحافظات الشمالية واقتراب سيطرته على مساحات مماثلة في المحافظات الجنوبية الجبلية في لحج والضالع وأبين، وظهور قات هذه المحافظات في أسواق المحافظات الشمالية الرئيسية والثانوية وبكميات كبيرة لاسيما في فصل الصيف والخريف والربيع.. والسنوات الماضية التي تربو على الثلاثين سنة أي منذ عام 1980م، عام البداية للحملة الإعلامية التي توجت بقرار منع استيراد الفواكه والخضروات الخارجية، وظهرت ثماره السريعة والإيجابية في عودة ظهور وزراعة الموز والتفاح لأول مرة، ثم توسعت زراعة الموز إلى جانب المانجو والجوافة، حتى أصبحت هذه الأنواع تزيد على الطلب في موسمها، ووجدت لها أسواقاً خارجية ومسوّقين، كما تطورت زراعة الحمضيات في تهامة والجوف ومأرب وصعدة وآنس بذمار, أما الحبوب فقد تراجع إنتاجها، بحسب تقرير رسمي أشار إلى انخفاض الإنتاج من الحبوب إلى ما دون النصف عما كان عليه في عام 2005م. فهل الخلل والتناقص يقود إلى توقف العمل بالسياسة التي أكدتها القيادة السياسية أكثر من مرة بضرورة التوسع في زراعة القمح والحد من زراعة القات واستنزاف المياه؟ أم أن هناك عوامل أخرى لا تريد الجهات المعنية الإفصاح عنها..؟!